22C326499282C735955F01BCA5C46E3A مستجدات قانون المسطرة الجنائية: نحو عدالة أكثر حداثة وإنصافاً

القائمة الرئيسية

الصفحات

مستجدات قانون المسطرة الجنائية: نحو عدالة أكثر حداثة وإنصافاً

 


مستجدات قانون المسطرة الجنائية: نحو عدالة أكثر حداثة وإنصافاً

يشهد المشهد القانوني المغربي تطوراً نوعياً مع إقرار مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد، الذي يمثل قفزة نوعية نحو تحديث المنظومة القضائية الجنائية وتعزيز أسس المحاكمة العادلة. يأتي هذا التعديل استجابة للحاجيات المتجددة للمجتمع، ومواكبة للتحولات الدولية في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن سعي المملكة الدائم لتطوير إطارها التشريعي. يرتكز هذا المشروع على مجموعة من المستجدات الجوهرية التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين حماية أمن المجتمع وضمان حقوق وحريات الأفراد.


1. تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع

يضع المشروع الجديد حقوق الدفاع في صلب اهتماماته، حيث عمل على تقوية هذه الحقوق بشكل ملموس. من أبرز هذه المستجدات:

  • حضور المحامي من اللحظة الأولى: لم يعد حضور المحامي مشروطاً بإذن النيابة العامة، بل أصبح حقاً مكفولاً للموقوف أو المعتقل منذ بداية فترة الحراسة النظرية. هذا يضمن حماية فورية لحقوق المتهم ويحد من أي تجاوزات محتملة.
  • تكريس قرينة البراءة: يعزز القانون الجديد مبدأ قرينة البراءة، بحيث يُعتبر المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي. كما يؤكد على أن الصمت لا يُفسر كاعتراف ضمني، مما يحمي المتهم من الضغوط أو التأويلات الخاطئة لصمته.

2. ترشيد الاعتقال الاحتياطي وتفعيل العقوبات البديلة

لطالما كان الاعتقال الاحتياطي نقطة نقاش هامة في المنظومات القضائية. يسعى المشروع الجديد إلى ترشيد اللجوء إليه وجعله إجراءً استثنائياً له شروط صارمة:

  • تشديد شروط الاعتقال الاحتياطي: سيصبح الاعتقال الاحتياطي الخيار الأخير، ولا يُلجأ إليه إلا في الحالات القصوى التي تبررها الضرورة القصوى ووجود دلائل قوية. هذا يساهم في الحد من اكتظاظ السجون ويقلل من الآثار السلبية للاعتقال قبل صدور الحكم.
  • توسيع نطاق العقوبات البديلة: يقدم القانون بدائل للعقوبات السالبة للحرية، مثل العمل لأجل المنفعة العامة والغرامة اليومية. تهدف هذه العقوبات إلى إصلاح الجاني وإعادة إدماجه في المجتمع دون حرمانه من حريته، مع تحقيق الردع المطلوب.

3. مواكبة التطور التكنولوجي والعدالة الرقمية

في عصر الرقمنة، لم يعد بالإمكان فصل العدالة عن التكنولوجيا. لذا، أدخل المشروع مستجدات هامة لدمج التقنيات الحديثة في المسطرة الجنائية:

  • التسجيل السمعي البصري للاستنطاقات: سيتم اعتماد التسجيل السمعي البصري للاستنطاقات في البحث التمهيدي، خاصة في القضايا الجنائية والجنح التي يُعاقب عليها بخمس سنوات سجناً أو أكثر. هذا الإجراء يضمن الشفافية والموضوعية ويقلل من فرص التلاعب أو إنكار الأقوال.
  • تقنين المسطرة عن بُعد: يُتيح القانون إمكانية إجراء بعض المساطر القضائية عن بُعد، مما يوفر الوقت والجهد ويُسرّع من وتيرة التقاضي، مع الحفاظ على ضمانات المحاكمة العادلة.
  • الوسائل الرقمية في المسطرة الجنائية: يشمل ذلك توسيع استخدام الوسائل الرقمية في مختلف مراحل الدعوى العمومية، من التبليغ إلى تقديم المستندات.

4. حماية الضحايا والفئات الخاصة

يعكس القانون الجديد اهتماماً متزايداً بحماية الضحايا، خاصة الفئات الهشة، وضمان حقوقهم على مدار الدعوى العمومية:

  • حماية ضحايا العنف والاتجار بالبشر: يتم توفير حماية خاصة لضحايا العنف، لا سيما النساء والأطفال، مع مواكبة ضحايا الاتجار بالبشر وفقاً للمعايير الدولية.
  • تعزيز مركز الضحية: يضمن القانون تدابير حمائية معززة للضحية، بدءاً من مرحلة البحث التمهيدي وصولاً إلى تنفيذ الحكم، مما يكفل لهم الدعم النفسي والقانوني اللازم.
  • مراعاة المصلحة الفضلى للأحداث: يؤكد القانون على أن محاكمة الأحداث تختلف عن محاكمة البالغين، ويجب أن تراعي المصلحة الفضلى للحدث، مع التركيز على التأهيل والإصلاح بدلاً من العقاب.

5. تقوية الأدوار القضائية وتبسيط الإجراءات

يهدف المشروع أيضاً إلى إعادة تحديد وتوضيح صلاحيات الجهات القضائية وتبسيط الإجراءات:

  • تقوية سلطة قاضي التحقيق والرقابة القضائية: يعزز القانون دور قاضي التحقيق ويُخضعه لرقابة قضائية أكبر، مما يضمن اتخاذ القرارات بناءً على أسس قانونية متينة.
  • مراقبة عمل الشرطة القضائية: يضع القانون آليات واضحة لمراقبة عمل الشرطة القضائية لمنع أي تجاوزات وضمان احترام القانون.
  • تبسيط إجراءات رد الاعتبار: يسهّل القانون الجديد إجراءات رد الاعتبار للأشخاص الذين أتموا عقوباتهم، بما في ذلك إمكانية رد الاعتبار فيما يخص عقوبة الغرامة بمجرد أدائها، مما يساعد على إعادة إدماجهم في المجتمع.

إن مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد يمثل خطوة جريئة ومدروسة نحو بناء منظومة عدالة جنائية أكثر فعالية، إنصافاً، وشفافية. هو ليس مجرد تعديل قانوني، بل هو رؤية مستقبلية تهدف إلى تعزيز الثقة في القضاء، وحماية حقوق الإنسان، ومواكبة التحديات الجنائية المعاصرة. تبقى الكلمة الفصل في مدى نجاح هذه المستجدات في تطبيقها على أرض الواقع، وهو ما يتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين في سلسلة العدالة.


هل هناك جانب معين من هذه المستجدات تود معرفة المزيد عنه؟

أنت الان في اول موضوع

تعليقات