القائمة الرئيسية

الصفحات

اتار البيع في قاتون الالتزمات والعقود

 

بمجرد انعقاد عقد البيع صحيحًا، يرتب مجموعة من الآثار القانونية المتمثلة في التزامات متقابلة تقع على عاتق كل من البائع والمشتري، بالإضافة إلى انتقال ملكية المبيع.

أولاً: انتقال ملكية المبيع

من أهم الآثار الجوهرية لعقد البيع هو انتقال ملكية المبيع من البائع إلى المشتري.

  • القاعدة العامة (في المنقولات المعينة بالذات): الأصل في القانون المغربي، كما هو الحال في غالبية التشريعات، أن الملكية تنتقل في المنقولات المعينة بذاتها (مثل سيارة محددة أو قطعة أثاث فريدة) بمجرد تمام العقد بتراضي الطرفين، أي بمجرد تبادل الإيجاب والقبول، حتى لو لم يتم تسليم المبيع أو دفع الثمن بعد. هذا ما ينص عليه الفصل 491 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
  • الاستثناءات (حيث يتأخر انتقال الملكية):
    • العقارات والحقوق العينية العقارية: لا تنتقل الملكية في العقارات والحقوق العينية العقارية إلا بالتسجيل في السجل العقاري (المحافظة العقارية). فالبيع لا ينقل الملكية في هذه الحالات إلا بعد استيفاء هذا الإجراء الشكلي الجوهري. (الفصل 489 من ق.ل.ع).
    • المنقولات المعينة بالنوع (التي تقدر بالوزن، أو العدد، أو المقاس، أو الكيل): في هذه الحالات، لا تنتقل الملكية إلا بفرزها وتعيينها تعيينًا نافيًا للجهالة. فمثلاً، بيع طن من القمح لا ينقل الملكية إلا عند فصل هذا الطن عن باقي الكمية وتحديده.
    • البيع بشرط واقف أو أجل واقف: إذا علق البيع على شرط واقف، فإن الملكية لا تنتقل إلا بتحقق الشرط. وإذا كان معلقًا على أجل واقف، فإنها تنتقل بحلول الأجل.
    • شرط الاحتفاظ بالملكية: يجوز للأطراف الاتفاق على أن يحتفظ البائع بملكية المبيع حتى يتم الوفاء بالثمن كاملاً، وفي هذه الحالة تتأخر الملكية حتى يتم سداد الثمن.
    • بيع الأشياء المستقبلية: تنتقل الملكية عند وجود المبيع وتحققه.
  • تبعة هلاك المبيع: انتقال الملكية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتبعة هلاك المبيع. فبمجرد انتقال الملكية، تنتقل تبعة الهلاك إلى المشتري، حتى لو لم يتسلم المبيع بعد، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك أو كان الهلاك بفعل البائع (الفصل 493 من ق.ل.ع).

ثانياً: التزامات البائع

يلتزم البائع، بمجرد انعقاد عقد البيع، بعدة التزامات أساسية تجاه المشتري، نص عليها قانون الالتزامات والعقود المغربي:

  1. الالتزام بتسليم المبيع (وضع المبيع تحت تصرف المشتري):
    • مفهوم التسليم: لا يعني التسليم بالضرورة التسليم المادي للشيء، بل هو تمكين المشتري من حيازة المبيع والانتفاع به دون عائق. وقد يكون التسليم حكميًا (كأن يسلم البائع مفتاح المنزل، أو يتنازل عن سندات الملكية).
    • حالة المبيع وقت التسليم: يجب أن يكون المبيع في الحالة التي كان عليها وقت البيع، مع جميع توابعه وملحقاته التي تُعد جزءًا لا يتجزأ منه (الفصل 512 وما يليه من ق.ل.ع).
    • مكان وزمان التسليم: يتم التسليم في المكان المتفق عليه في العقد، وإلا ففي مكان وجود المبيع وقت العقد. ويكون في الزمان المتفق عليه، وإلا ففورًا بعد إبرام العقد ما لم يقتض العرف أو طبيعة المبيع خلاف ذلك.
    • مصاريف التسليم: تقع مصاريف التسليم على عاتق البائع (مثل مصاريف القياس، الوزن، العد، أو الكيل) ما لم يتفق على خلاف ذلك.
  2. الالتزام بضمان المبيع: يتفرع هذا الالتزام إلى نوعين رئيسيين من الضمان:
    • ضمان التعرض والاستحقاق:
      • التعرض الشخصي: يلتزم البائع بعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يحرم المشتري من حيازة المبيع أو الانتفاع به، سواء كان هذا التعرض ماديًا (كالبناء على الأرض المبيعة) أو قانونيًا (كأن يدعي البائع حقًا على المبيع).
      • التعرض الصادر من الغير: يلتزم البائع بضمان المشتري ضد أي تعرض قانوني صادر عن الغير يدعي حقًا على المبيع كان موجودًا قبل البيع (مثل ادعاء ملكية المبيع أو وجود رهون أو حقوق ارتفاق). إذا نجح الغير في إثبات حقه وحرم المشتري من المبيع كليًا أو جزئيًا، حدث الاستحقاق، ويلتزم البائع برد الثمن والتعويض عن الأضرار (الفصول 533 وما يليه من ق.ل.ع).
    • ضمان العيوب الخفية (ضمان العيب الأحمر):
      • يلتزم البائع بضمان المبيع ضد العيوب التي تنقص من قيمته نقصًا محسوسًا، أو تجعله غير صالح للاستعمال الذي أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى العقد (الفصل 549 من ق.ل.ع).
      • شروط العيب الموجب للضمان: يجب أن يكون العيب:
        • خفيًا: أي لا يمكن للمشتري اكتشافه بالفحص العادي للشيء.
        • قديمًا: أي كان موجودًا وقت البيع.
        • مؤثرًا: أي ينقص من قيمة المبيع أو صلاحيته للاستعمال.
      • آثار ضمان العيوب الخفية: للمشتري، بعد اكتشاف العيب وإخطار البائع في الآجال القانونية، أن يختار بين:
        • دعوى الفسخ (الرد): طلب فسخ العقد واسترداد الثمن مع التعويضات إن كان لها مقتضى.
        • دعوى إنقاص الثمن (التقدير): الاحتفاظ بالمبيع وطلب إنقاص الثمن بما يتناسب مع نقص قيمته بسبب العيب.
      • أجل التقادم: دعوى ضمان العيوب الخفية تتقادم عادة بمرور أجل قصير (365 يومًا بعد التسليم بالنسبة للمنقولات، و30 يومًا بعد التسليم بالنسبة للحيوانات، وسنتين بالنسبة للعقارات، تبدأ من تاريخ اكتشاف العيب في كل الأحوال ولكن لا يمكن أن تتجاوز 5 سنوات من تاريخ التسليم). (الفصل 573 وما يليه من ق.ل.ع).

ثالثاً: التزامات المشتري

بالمقابل، يلتزم المشتري بالواجبات التالية:

  1. الالتزام بدفع الثمن:
    • هو الالتزام الأساسي للمشتري، وهو المقابل المادي للمبيع.
    • مكان وزمان دفع الثمن: يتم دفع الثمن في المكان والزمان المتفق عليهما في العقد. وإذا لم يكن هناك اتفاق، فيجب أن يتم الدفع في مكان تسليم المبيع وقت التسليم (الفصل 577 من ق.ل.ع).
    • حبس الثمن: يحق للمشتري حبس الثمن إذا تعرض لتعرض قانوني جدي في حيازة المبيع أو إذا كانت هناك أسباب جدية تدعو للخوف من استحقاق المبيع، حتى يزيل البائع هذا التعرض أو يقدم ضمانات كافية (الفصل 583 من ق.ل.ع).
  2. الالتزام بتسلم المبيع:
    • يلتزم المشتري بتسلم المبيع في المكان والزمان المتفق عليهما، وإذا لم يتفق على ذلك، فيجب تسلمه فورًا بعد إبرام العقد في مكان وجود المبيع (الفصل 580 من ق.ل.ع).
    • إذا تأخر المشتري عن تسلم المبيع دون مبرر، جاز للبائع أن يطلب فسخ العقد أو أن يبيع المبيع على حساب المشتري، مع حقه في التعويض عن الأضرار.
  3. الالتزام بدفع مصاريف العقد والتسجيل:
    • ما لم يتفق على خلاف ذلك، يتحمل المشتري مصاريف العقد (مثل رسوم التسجيل، وأتعاب الموثق أو العدل، ورسوم التسجيل في السجل العقاري) (الفصل 517 من ق.ل.ع).

إن هذه الالتزامات المتقابلة هي التي تشكل العمود الفقري لعلاقة البيع، وتضمن التوازن القانوني بين أطراف العقد، وتوفر الأساس لحماية حقوق كل منهم في حال إخلال الطرف الآخر بالتزاماته.

تعليقات