القائمة الرئيسية

الصفحات

موضوع حول قانون المسطرة الجنائية الجديد 03.23

 

موضوع حول قانون المسطرة الجنائية الجديد 03.23

يُعد مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد رقم 03.23 خطوة محورية في مسار تحديث المنظومة القضائية المغربية، ويأتي استكمالاً للإصلاحات العميقة التي تعرفها العدالة بالمملكة، والتي تهدف إلى ترسيخ دولة القانون، حماية الحقوق والحريات، وتحقيق النجاعة القضائية. يمثل هذا المشروع تحولاً نوعياً عن القانون الحالي (الظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر بتنفيذه القانون رقم 22.01)، حيث يسعى إلى مواكبة التطورات التشريعية الدولية والمستجدات المجتمعية.

أولاً: أهداف مشروع القانون الجديد

يهدف مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها:

  1. تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة: من خلال تدقيق الإجراءات وتوسيع نطاق الحقوق المخولة للمتهمين والضحايا على حد سواء.

  2. مواكبة التطورات التكنولوجية: بإدماج الرقمنة في الإجراءات القضائية الجنائية لتسريع وتيرة العمل القضائي وتبسيط المساطر.

  3. ترشيد الاعتقال الاحتياطي: عبر وضع ضوابط أكثر صرامة لاستعمال هذا الإجراء الاستثنائي، والبحث عن بدائل له.

  4. تطوير آليات البحث والتحقيق: بمنح صلاحيات جديدة للشرطة القضائية وقضاة التحقيق لمواجهة أنماط الجريمة المستجدة.

  5. حماية الفئات الخاصة: كالأطفال والنساء والأشخاص في وضعية إعاقة، بتوفير إجراءات خاصة تضمن حقوقهم وسلامتهم.

  6. تفعيل السياسة الجنائية: بتمكين النيابة العامة من أدوات أكثر فعالية لممارسة مهامها في حماية الحق العام.

ثانياً: أبرز المستجدات التي جاء بها مشروع القانون

يتضمن مشروع القانون 03.23 العديد من المستجدات الهامة التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في الممارسة القضائية الجنائية:

  1. الرقمنة والإجراءات الإلكترونية:

    • إدخال إمكانية تبادل الوثائق والمذكرات والإجراءات القضائية بشكل إلكتروني.

    • اعتماد المحاضر والوثائق الإلكترونية كدليل إثبات.

    • تفعيل المحاكمة عن بعد في بعض الحالات، بما يضمن استمرارية العدالة.

  2. تعزيز دور النيابة العامة:

    • توسيع صلاحيات النيابة العامة في بعض مراحل البحث التمهيدي، خاصة فيما يتعلق بالتدابير الاحترازية.

    • منحها صلاحيات أكبر في تفعيل آليات العدالة التصالحية والبدائل عن المتابعة القضائية في الجنح البسيطة.

  3. ترشيد الاعتقال الاحتياطي والبدائل عنه:

    • وضع شروط أكثر دقة لصدور أوامر الاعتقال الاحتياطي وتجديدها.

    • التوسع في تطبيق تدابير المراقبة القضائية كبديل عن الاعتقال الاحتياطي، مثل المراقبة الإلكترونية (السوار الإلكتروني).

    • تحديد آجال قصوى للاعتقال الاحتياطي بشكل أكثر صرامة.

  4. تطوير آليات التحقيق:

    • إدخال تقنيات تحقيق جديدة لمواجهة الجريمة المنظمة والجريمة الإلكترونية، مثل الاعتراضات على الاتصالات، والتسرب، والمراقبة الإلكترونية.

    • تدقيق صلاحيات قاضي التحقيق وتوضيح العلاقة بينه وبين النيابة العامة.

  5. حماية الضحايا والشهود والخبراء:

    • تضمين مقتضيات جديدة لتعزيز حماية الضحايا، خاصة في جرائم العنف والجرائم الجنسية.

    • توفير آليات لحماية الشهود والخبراء من التهديد أو الانتقام، بما في ذلك إمكانية الاستماع إليهم بوسائل تقنية حديثة أو تحت هوية مستعارة في حالات معينة.


  6. إصلاح مسطرة الطعن:

    • مراجعة بعض آجال الطعن وتبسيط بعض الإجراءات المتعلقة بها.

    • تدقيق اختصاصات محكمة النقض في المادة الجنائية.

  7. أحكام خاصة بالأحداث والفئات الهشة:

    • تعزيز الإجراءات الحمائية للأحداث الجانحين والضحايا، بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل.

    • توفير معاملة خاصة للأشخاص في وضعية إعاقة أو الذين يعانون من اضطرابات نفسية.

ثالثاً: التحديات والآفاق المستقبلية

رغم الأهداف النبيلة والمستجدات الإيجابية التي جاء بها مشروع القانون 03.23، إلا أن تفعيله سيواجه حتماً بعض التحديات:

  • البنية التحتية واللوجستيك: يتطلب تفعيل الرقمنة وتدابير المراقبة الإلكترونية بنية تحتية قوية وموارد بشرية مؤهلة.

  • التكوين المستمر: ضرورة تكوين القضاة، النيابة العامة، ضباط الشرطة القضائية، والمحامين على المستجدات القانونية والتقنية.

  • التأويل القضائي: سيلعب الاجتهاد القضائي دوراً حاسماً في تكييف النصوص الجديدة وتوحيد العمل القضائي.

  • الموازنة بين الفعالية والضمانات: الحفاظ على التوازن الدقيق بين تحقيق الفعالية في مكافحة الجريمة وضمان احترام حقوق وحريات الأفراد.

خاتمة:

يُعد مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد 03.23 لبنة أساسية في صرح العدالة المغربية الحديثة، ويعكس إرادة المشرع في بناء نظام قضائي أكثر عدلاً ونجاعة وشفافية. إن نجاح هذا الإصلاح سيتوقف على مدى التزام جميع الفاعلين في منظومة العدالة بتطبيق مقتضياته بروح المسؤولية، وتوفير الإمكانيات اللازمة لتنزيله على أرض الواقع، بما يخدم مصلحة المجتمع ويصون حقوق الأفراد.

تعليقات