إثبات الالتزام عن الجرائم وأشباه الجرائم في القانون المغربي
يتناول قانون الالتزامات والعقود المغربي، في إطار مصادر الالتزام، الالتزامات الناشئة عن الأفعال الضارة، والتي تشمل الجرائم وأشباه الجرائم. لا يقصد بالجرائم وأشباه الجرائم هنا معناها الجنائي (الذي يؤدي إلى عقوبة جنائية)، بل يقصد بها الخطأ المدني الذي يسبب ضرراً للغير، ويرتب التزاماً على مرتكبه بالتعويض. هذا ما يُعرف بـ "المسؤولية التقصيرية".
1. مفهوم الجرائم وأشباه الجرائم كمصدر للالتزام:
الجريمة (المدنية): هي الفعل الضار الذي يرتكب عمداً أو بقصد الإضرار بالغير. (مثال: الاعتداء بالضرب الذي يسبب جروحاً، التخريب المتعمد للممتلكات).
شبه الجريمة (المدنية): هي الفعل الضار الذي يرتكب بغير قصد الإضرار، ولكن بسبب الإهمال أو عدم التبصر أو عدم الاحتياط (الخطأ غير العمدي). (مثال: حادثة سير بسبب السرعة المفرطة، إهمال في صيانة مبنى يؤدي إلى سقوطه).
كلا النوعين يرتبان التزاماً على مرتكب الفعل الضار بـ تعويض الضرر الذي لحق بالغير.
2. أركان المسؤولية التقصيرية (الالتزام بالتعويض):
لتحقق الالتزام بالتعويض عن الجرائم وأشباه الجرائم، يجب توفر ثلاثة أركان أساسية (الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود):
أ. الخطأ: وهو الانحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي الحريص. قد يكون الخطأ عمدياً (جريمة مدنية) أو غير عمدي (شبه جريمة مدنية).
ب. الضرر: وهو الأذى الذي يصيب الشخص في حق من حقوقه أو مصلحة مشروعة له. قد يكون الضرر مادياً (مثل الخسارة المالية، الإصابة الجسدية) أو معنوياً (مثل الأذى النفسي، المس بالسمعة).
ج. العلاقة السببية: يجب أن يكون هناك ارتباط مباشر ومنطقي بين الخطأ المرتكب والضرر الحاصل، بحيث يكون الخطأ هو السبب المباشر في وقوع الضرر.
3. إثبات الالتزام عن الجرائم وأشباه الجرائم:
تعتبر الجرائم وأشباه الجرائم (الأفعال الضارة) من الوقائع المادية، وهذا له أهمية قصوى في مجال الإثبات في القانون المغربي.
القاعدة الأساسية: بما أن الأفعال الضارة هي وقائع مادية، فإنها تثبت بجميع وسائل الإثبات (الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود). هذه القاعدة تختلف عن إثبات التصرفات القانونية (مثل العقود) التي قد تتطلب الكتابة إذا زادت قيمتها عن حد معين.
وسائل الإثبات التي يمكن استخدامها لإثبات الالتزام الناشئ عن الجرائم وأشباه الجرائم تشمل:
أ. شهادة الشهود (البينة):
تُعد وسيلة إثبات قوية ومقبولة لإثبات الوقائع المادية، بما في ذلك وقوع الفعل الضار، نسبة الخطأ إلى مرتكبه، ووجود الضرر.
يمكن الاستماع إلى شهود العيان، أو من لديهم معلومات مباشرة عن الواقعة.
ب. القرائن:
القرائن القضائية: للقاضي سلطة واسعة في استخلاص القرائن من الوقائع المعلومة في الدعوى للوصول إلى الحقيقة (مثال: وجود المتهم في مسرح الجريمة وقت وقوعها، أو حيازته لأداة الجريمة).
القرائن القانونية: قد ينص القانون على قرائن معينة (مثل قرينة الخطأ في مسؤولية حارس الشيء أو مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه).
ج. الإقرار:
إذا أقر مرتكب الفعل الضار (المدين) بوقوع الخطأ منه أو بمسؤوليته عن الضرر، فإن إقراره يكون حجة عليه.
الإقرار القضائي (أمام المحكمة) له حجية قاطعة.
د. الخبرة القضائية:
تُستخدم الخبرة لتقدير حجم الضرر (مثال: خبرة طبية لتقدير العجز الناتج عن إصابة، خبرة لتقدير قيمة الأضرار المادية لسيارة).
يمكن أن تُستخدم أيضاً لتحديد العلاقة السببية أو الكشف عن ملابسات الواقعة (مثال: خبرة فنية لتحديد سبب حادث).
هـ. المعاينة:
يمكن للقاضي أو لمن ينتدبه أن ينتقل إلى مكان وقوع الفعل الضار لإجراء معاينة مباشرة للوقائع والأضرار.
و. الكتابة:
على الرغم من أن الفعل الضار نفسه واقعة مادية لا تتطلب الكتابة لإثباتها، إلا أن الكتابة قد تكون ضرورية لإثبات عناصر الضرر أو العلاقة السببية.
(مثال: تقارير الشرطة القضائية، محاضر الضابطة القضائية، الشهادات الطبية، فواتير الإصلاح، محاضر المعاينة).
ز. حجية الحكم الجنائي:
إذا صدر حكم جنائي بات (نهائي) في نفس الواقعة، فإن هذا الحكم تكون له حجية على القاضي المدني فيما يتعلق بـ:
وقوع الفعل المادي: هل الجريمة وقعت أم لا.
وصف الفعل المادي: هل هو قتل، سرقة، نصب، إلخ.
نسبة الفعل المادي إلى مرتكبه: هل المتهم هو من ارتكب الفعل أم لا.
بمعنى أن القاضي المدني لا يمكنه أن يخالف الحكم الجنائي البات في هذه النقاط. إذا أدان الحكم الجنائي المتهم، فإن القاضي المدني يلتزم بذلك فيما يخص الخطأ والنسبة، ويبقى له فقط تقدير التعويض. وإذا برأ الحكم الجنائي المتهم لعدم ارتكابه الفعل، فلا يمكن للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض على أساس نفس الفعل.
خاتمة:
الاتبات حجة على اضهار الحقيقة
إن مرونة وسائل الإثبات في مجال الجرائم وأشباه الجرائم (الأفعال الضارة) تعكس طبيعتها كوقائع مادية، وتسهل على المتضرر إقامة الدليل على حقه في التعويض، مما يساهم في تحقيق العدالة وجبر الأضرار التي تلحق بالأفراد نتيجة الأخطاء المدنية.
تعليقات
إرسال تعليق