القائمة الرئيسية

الصفحات

مستجدات التنضيم القضائي 38-15 الاستعداد الجيد للمباراة المنتدبين القضائيين

 

تحديث التنظيم القضائي المغربي: تحليل معمق للقانون رقم 38.15 وتداعياته

مقدمة: عهد جديد للعدالة المغربية

يمثل القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، الذي دخل حيز التنفيذ في يناير 2023 1، نقطة تحول مفصلية في تاريخ المنظومة القضائية المغربية. فهذا القانون لا يعد مجرد تحديث تشريعي، بل هو بمثابة إعادة تأسيس شاملة للهيكل القضائي، حيث يحل محل ظهير 15 يوليو 1974 الذي ظل الإطار المرجعي لما يقرب من نصف قرن.1 تأتي هذه النقلة النوعية تتويجًا لمسار طويل من الإصلاحات، وتجسيدًا لإرادة سياسية وقانونية تهدف إلى بناء صرح قضائي حديث ومنيع.

تتمحور الطموحات الأساسية لهذا القانون حول تحقيق أهداف استراتيجية كبرى؛ أولها تفعيل المبادئ التي أرساها دستور 2011، وفي مقدمتها استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وثانيها، تحقيق "النجاعة القضائية"، وهو مفهوم يتجاوز مجرد سرعة البت في القضايا ليشمل جودة الأحكام وفعاليتها. أما الهدف الثالث، فيتمثل في بناء منظومة عدالة تتسم بالشفافية والمصداقية وسهولة الولوج، بما يعزز ثقة المواطنين والمستثمرين على حد سواء.4

يستعرض هذا التقرير، من خلال تحليل معمق، الأبعاد المختلفة لهذا الإصلاح. سينطلق من السياق التاريخي الذي أفرز الحاجة إلى التغيير، مرورًا بتفكيك المستجدات الهيكلية والموضوعية التي أتى بها القانون الجديد، مع تسليط الضوء على الدور الحاسم الذي لعبته المحكمة الدستورية في صياغة نصه النهائي. كما سيتناول التقرير الثورة الرقمية الموازية التي تشهدها منظومة العدالة، ويختتم بتحليل الحوار المستمر والتوترات الكامنة بين مختلف الفاعلين في هذا الورش الإصلاحي الكبير.

الجزء الأول: نشأة وفلسفة الإصلاح

لفهم عمق التحول الذي أحدثه قانون 38.15، لا بد من استيعاب الدوافع التي أدت إليه، بدءًا من قصور الإطار القديم ووصولًا إلى الإرادة الدستورية والسياسية التي مهدت الطريق لهندسة قضائية جديدة.

السياق التاريخي ومحدودية إطار 1974

شكل ظهير 15 يوليو 1974، ولعقود طويلة، العمود الفقري للتنظيم القضائي بالمملكة. ورغم التعديلات المتعددة التي طرأت عليه، إلا أنه أصبح يُنظر إليه كنص متجاوز وغير قادر على مواكبة التحديات المعاصرة.1 لقد أسس هذا الظهير لنظام قضائي يتكون من محاكم متنوعة، لكنه افتقر إلى رؤية موحدة وحديثة قادرة على التجاوب مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية.6

كان المشهد التشريعي قبل الإصلاح يتسم بتشتت القواعد القانونية المنظمة للمحاكم في نصوص متعددة؛ فهناك نصوص تنظم المحاكم العادية، وأخرى تنظم المحاكم التجارية، وثالثة تنظم المحاكم الإدارية. هذا التشتت كان يعيق الوضوح القانوني ويصعّب الوصول إلى المعلومة القانونية على الممارسين والمتقاضين على حد سواء.4 علاوة على ذلك، واجه النظام القضائي تحديات تتعلق بالنجاعة والشفافية، وشعورًا عامًا بأن استقلاليته عن السلطة التنفيذية لم تكن مكتملة، مما خلق حاجة ملحة لإصلاح شامل وجذري.4

التفويض الدستوري وميثاق إصلاح منظومة العدالة

شكل دستور 2011 الوثيقة القانونية والسياسية المؤسِّسة لهذا التحول. فقد خصص الباب السابع منه لمفهوم "السلطة القضائية"، مرسخًا مبادئ جديدة وغير مسبوقة، أهمها الاستقلال التام للسلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية، واستقلال رئاسة النيابة العامة عن وزارة العدل.2 هذه المبادئ الدستورية كانت بحاجة إلى ترسنة قانونية لتنزيلها على أرض الواقع.

وهنا يأتي دور "ميثاق إصلاح منظومة العدالة"، الذي كان ثمرة حوار وطني واسع، ليشكّل الخارطة العملية التي استلهم منها المشرع مقتضيات القانون 38.15.4 لقد تمت ترجمة توصيات الميثاق المحورية، مثل إعادة النظر في الخريطة القضائية، وتعزيز استقلال القضاء، ورفع النجاعة، وتسهيل الولوج إلى العدالة، إلى مواد قانونية محددة ضمن القانون الجديد.4

إن عملية الإصلاح برمتها، بدءًا من دستور 2011 وانتهاءً بالصيغة النهائية للقانون 38.15، لم تكن مجرد عملية تقنية، بل عكست تفاوضًا دقيقًا ومستمرًا حول موازين القوى بين المؤسسات القضائية المستقلة حديثًا (المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة) والسلطة التنفيذية، ممثلة بشكل أساسي في وزارة العدل. لقد ترك دستور 2011 تفاصيل العلاقة العملية بين هذه السلطات مفتوحة للتحديد عبر القوانين التنظيمية والعادية.2 وعندما قُدم مشروع القانون الأولي، تضمن مقتضيات، مثل توحيد كتابة الضبط وإحداث منصب الكاتب العام للمحكمة بصلاحيات واسعة، كانت تميل نحو الحفاظ على إشراف إداري ومالي كبير لوزارة العدل تحت غطاء "النجاعة".5 إلا أن رد الفعل القوي من الهيئات القضائية، والذي تُوِّج بتدخل المحكمة الدستورية 11، شكل دفعًا قويًا في اتجاه ترسيخ الاستقلالية المؤسسية. وبالتالي، فإن قانون 38.15 هو الساحة التشريعية التي تم فيها اختبار مبدأ الاستقلال وتحديده عمليًا، وجاءت صيغته النهائية لتعكس تسوية عززت بشكل كبير من استقلالية القضاء مقارنة بالمقترحات الأولية.

الجزء الثاني: تفكيك القانون رقم 38.15: المستجدات الهيكلية والموضوعية

يقدم هذا الجزء تحليلًا دقيقًا للقانون نفسه، مقارنًا بين الهياكل والمبادئ الجديدة والإطار القديم.

إعادة الهيكلة الشكلية: من التشتت إلى التدوين

يتمثل أحد أبرز المستجدات الشكلية في تجميع النصوص القانونية المتفرقة المتعلقة بمختلف أنواع المحاكم (العادية، الإدارية، التجارية، وقضاء القرب) في مدونة قانونية واحدة وشاملة.4 هدف هذا التجميع إلى تحسين مقروئية النص القانوني وتسهيل الوصول إليه.

من حيث البنية، يتألف القانون الجديد من 111 مادة (مقابل 28 فصلاً في قانون 1974)، موزعة على أربعة أقسام رئيسية: القسم الأول لمبادئ وقواعد التنظيم القضائي وحقوق المتقاضين، والثاني لتأليف المحاكم وتنظيمها واختصاصها، والثالث للتفتيش والإشراف القضائي، والرابع لأحكام ختامية وانتقالية.1 توفر هذه البنية إطارًا أكثر منطقية وشمولية.

المبادئ التأسيسية وحقوق المتقاضين

يكرس القانون صراحة مجموعة من المبادئ الأساسية، كاستقلال القضاء، والحق في محاكمة عادلة داخل أجل معقول، وإلزامية تعليل الأحكام، والحق في المساعدة القضائية والقانونية، والتعويض عن الخطأ القضائي.4 كما يؤكد على أن اللغة العربية هي لغة التقاضي والمرافعات وصياغة الأحكام، مع مراعاة المقتضيات الدستورية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.5 بالإضافة إلى ذلك، يضع القانون الأساس القانوني لرقمنة الإجراءات القضائية، ملزمًا المحاكم باعتماد الإدارة الإلكترونية.5

إعادة تنظيم المحاكم

أحدث القانون تغييرات هيكلية عميقة على مستوى مختلف درجات التقاضي:

المحاكم الابتدائية

  • إلغاء غرف الاستئنافات: تم إلغاء غرف الاستئنافات التي كانت موجودة داخل المحاكم الابتدائية 5، وهو تغيير جوهري يهدف إلى تبسيط مسار الطعون وتوجيه جميع الاستئنافات مباشرة إلى محاكم الاستئناف.

  • إحداث أقسام متخصصة: أتاح القانون إمكانية إحداث أقسام متخصصة في القضاء التجاري والقضاء الإداري داخل المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة بموجب مرسوم.5 يمثل هذا حلاً عمليًا لتقريب القضاء المتخصص من المتقاضين في المناطق التي لا توجد بها محاكم تجارية أو إدارية مستقلة.

  • توسيع قاعدة القضاء الفردي: وسّع القانون من نطاق القضايا التي ينظر فيها قاضٍ منفرد، خاصة في قضايا الأسرة مثل الطلاق الاتفاقي والنفقة وأجرة الحضانة، بهدف تسريع وتيرة إصدار الأحكام.4

  • مكاتب المساعدة الاجتماعية: أضفى القانون طابعًا رسميًا على إحداث هذه المكاتب داخل المحاكم لتقديم الدعم للفئات الهشة، خاصة النساء والأطفال.11

محاكم الاستئناف

على غرار المحاكم الابتدائية، أصبح بإمكان محاكم الاستئناف أن تضم بدورها أقسامًا متخصصة في القضاء التجاري والإداري.12 كما أتاح القانون إمكانية إحداث "غرف ملحقة" تابعة لمحاكم الاستئناف في مواقع مختلفة داخل دائرة نفوذها، وهو إجراء آخر يهدف إلى تحسين الولوج الجغرافي للعدالة.18

محكمة النقض

تم تعزيز دور محكمة النقض كأعلى هيئة قضائية في المملكة، تسهر على التطبيق السليم للقانون وتوحيد الاجتهاد القضائي.5 كما أُضيفت غرفة سابعة إلى غرفها، وهي "الغرفة العقارية"، مما يعكس حجم وأهمية المنازعات العقارية في المغرب.5

إن إحداث أقسام متخصصة داخل المحاكم العامة هو في جوهره تسوية عملية ناتجة عن التوتر بين النموذج المثالي لقضاء متخصص بالكامل والحاجة العملية لضمان الولوج الجغرافي للعدالة وتدبير الموارد المتاحة. ففي حين أن النموذج الأمثل، الذي ينادي به الكثيرون، يقتضي إنشاء محاكم تجارية وإدارية في كل جهات المملكة 9، فإن الموارد البشرية والمادية اللازمة لذلك غير متوفرة بشكل فوري.20 وكان النظام السابق، الذي حصر المحاكم المتخصصة في المدن الكبرى، يجبر المتقاضين على قطع مسافات طويلة، مما يقوض مبدأ تقريب القضاء من المواطنين. الحل الذي تبناه القانون 38.15 هو نموذج هجين ومبتكر، يسمح بتنمية الخبرة القضائية محليًا دون الحاجة إلى التكاليف الباهظة لبناء محاكم جديدة في كل مكان. ومع ذلك، يطرح هذا النموذج الهجين تساؤلات جديدة حول مدى تطابق خبرة القضاة في هذه الأقسام مع خبرة نظرائهم في المحاكم المتخصصة بالكامل، وكيفية تدبير الدعم الإداري لهذه الأقسام داخل هيكل محكمة عامة.

نظام التفتيش والإشراف المزدوج

أرسى القانون نظامًا للتفتيش ذا دعامتين، وهو عنصر حاسم في ميزان القوى الجديد 1:

  • التفتيش القضائي: تتولاه المفتشية العامة للشؤون القضائية، التابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. ويركز هذا التفتيش على الأداء المهني والسلوك الوظيفي للقضاة.2

  • التفتيش الإداري والمالي: تتولاه المفتشية العامة لوزارة العدل، وتشرف من خلاله على التدبير الإداري والمالي للمحاكم.2

الخاصية/الجانب

ظهير 1974 (وتعديلاته)

القانون رقم 38.15 (الصيغة النهائية)

أهمية التغيير

البنية التشريعية

قوانين متفرقة ومنفصلة لكل نوع من المحاكم.4

نص موحد وشامل يجمع كل أنواع المحاكم.4

تعزيز الوضوح القانوني وتسهيل الوصول إلى المعلومة.

مسار الاستئناف

وجود غرف استئنافية داخل المحاكم الابتدائية.6

إلغاء غرف الاستئنافات وتوجيه كل الطعون إلى محاكم الاستئناف.5

تبسيط وتسريع مسار التقاضي وتوحيد جهة الاستئناف.

إدارة المحاكم

هيمنة إدارية لوزارة العدل على كتابة الضبط.7

إدارة مزدوجة: المسؤولون القضائيون يشرفون على مهام كتابة الضبط القضائية.11

تعزيز استقلالية السلطة القضائية داخل المحاكم.

القضاء المتخصص

محاكم متخصصة (تجارية وإدارية) في مدن محددة.23

نموذج هجين: إمكانية إحداث أقسام متخصصة داخل المحاكم الابتدائية.5

تحسين الولوج الجغرافي للقضاء المتخصص وتقريبه من المتقاضين.

التفتيش

قواعد غير واضحة ومحددة بشكل دقيق.

نظام تفتيش مزدوج ومفصل: قضائي (للمجلس الأعلى) وإداري (لوزارة العدل).2

توضيح الأدوار وتكريس آليات الرقابة والمساءلة.

الجزء الثالث: البوتقة الدستورية: أثر مراجعة المحكمة الدستورية

لعبت المحكمة الدستورية دورًا محوريًا في نحت الملامح النهائية للقانون، مما يبرز التفاعل الحيوي بين الإرادة التشريعية والمبادئ الدستورية.

الإحالة ونقاط الخلاف الرئيسية

شكلت إحالة رئيس الحكومة لمشروع القانون على المحكمة الدستورية سنة 2019 لحظة فاصلة.25 تركزت نقاط الخلاف الجوهرية حول مقتضيات شعر الفاعلون القضائيون أنها قد تقوض الاستقلال الذي كُرّس حديثًا للسلطة القضائية.2

تحليل قرار المحكمة (رقم 89/19) والتعديلات اللاحقة

أدى قرار المحكمة الدستورية إلى تعديلات جوهرية في النص، مما رسخ مبدأ استقلال السلطة القضائية بشكل عملي:

  • كتابة الضبط والكاتب العام: ألغت المحكمة فكرة توحيد كتابة الضبط وإحداث منصب "الكاتب العام للمحكمة" بصلاحيات واسعة. فقد اعتبرت أن إخضاع موظفي كتابة النيابة العامة لسلطة إدارية تابعة لوزارة العدل يشكل مساسًا باستقلال النيابة العامة ومبدأ فصل السلط.11 ونتيجة لذلك، عاد القانون النهائي إلى النظام المزدوج: رئيس لكتابة الضبط يتبع لرئاسة المحكمة، ورئيس لكتابة النيابة العامة يتبع لوكيل الملك.11

  • تعيين القضاة: أبطلت المحكمة المقتضيات التي كانت تمنح للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية تعيين بعض القضاة المتخصصين، مؤكدة أن هذه الصلاحية هي اختصاص حصري للمجلس كهيئة جماعية، مما يعزز الطابع المؤسسي في تدبير الشأن القضائي.11

  • التمثيلية في المحاكم التجارية: رفضت المحكمة مقترح تعيين ممثلي النيابة العامة في المحاكم التجارية من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية العادية. وأصرت على أن المحاكم المتخصصة تتطلب نيابة عامة متخصصة ومستقلة في تعيينها، وهو اختصاص يعود للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.11

  • الجمعية العامة للمحكمة: تضمن المشروع الأولي آلية للتصويت على برنامج عمل المحكمة. أثارت المحكمة مخاوف بشأن قابلية هذه الآلية للتطبيق، مما دفع المشرع في النهاية إلى حذف نظام التصويت. ويعطي القانون النهائي صلاحية إعداد البرنامج لـ"مكتب المحكمة" المصغر بشكل تشاركي، ثم عرضه على الجمعية العامة، مما يتجنب خطر الشلل ويحافظ على سلطة المسؤول القضائي.11

  • مكاتب المساعدة الاجتماعية: اعتبرت المحكمة أن النص الأولي كان غامضًا بشأن طبيعة هذه المكاتب. تم تعديل القانون لتوضيح أنها جزء من الهيكلة الإدارية للمحكمة وأن موظفيها يعملون بتكليف من السلطات القضائية.11

المقتضى المعترض عليه في المشروع الأولي

اعتراض المحكمة الدستورية (القرار 89/19)

الحل النهائي في القانون 38.15

الأثر على استقلالية القضاء مقابل السلطة التنفيذية

توحيد كتابة الضبط / منصب الكاتب العام

مساس باستقلال النيابة العامة وخضوعها للسلطة التنفيذية.11

العودة إلى نظام كتابة الضبط المزدوجة (رئاسة ونيابة عامة).11

انتصار كبير لاستقلالية القضاء، وحد من النفوذ الإداري لوزارة العدل.

تعيين القضاة المتخصصين من قبل الرئيس المنتدب

مساس بالاختصاص الحصري والجماعي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.11

إعادة صلاحية التعيين للمجلس الأعلى كهيئة كاملة.11

تعزيز الطابع المؤسسي والجماعي للسلطة القضائية.

التصويت داخل الجمعية العامة

خطر شل عمل المحكمة وتقويض سلطة المسؤول القضائي.11

استبدال التصويت بإعداد تشاركي للبرنامج من قبل "مكتب المحكمة".11

تحقيق توازن بين المشاركة والفعالية في التدبير.

الوضع الغامض لمكاتب المساعدة الاجتماعية

عدم وضوح الطبيعة (إدارية أم قضائية) للمكتب.11

تحديد المكتب كهيكل إداري يعمل بتكليف قضائي.11

إخضاع الدعم الإداري للسلطة القضائية وتوضيح الأدوار.

الجزء الرابع: التحول الرقمي للعدالة (رقمنة القضاء)

يسير ورش الرقمنة بالتوازي مع الإصلاح التشريعي، حيث يُنظر إليه كأداة أساسية لتحقيق "النجاعة القضائية".

الإطار القانوني والاستراتيجي لقضاء رقمي

يوفر كل من القانون 38.15 ومشروع قانون المسطرة المدنية الجديد (رقم 02.23) الأساس القانوني للتحول نحو مقاربة رقمية، من خلال التنصيص على إلزامية اعتماد الإدارة والإجراءات الإلكترونية.5 يندرج هذا المجهود ضمن توجه وطني أوسع لرقمنة الإدارة العمومية، يهدف إلى تحسين الخدمات، وتعزيز الشفافية، ودعم مناخ الأعمال.27

التنفيذ والمنصات الرئيسية

قادت وزارة العدل عملية تطوير مجموعة من المنصات الرقمية التي تشكل عصب هذا التحول:

  • منصة المحامي: تتيح للمحامين إيداع المقالات وتبادل الوثائق مع المحاكم، بالإضافة إلى الأداء الإلكتروني للرسوم القضائية.31

  • منصات للمهن الأخرى: تم تطوير منصات مماثلة للمفوضين القضائيين وباقي مساعدي القضاء.31

  • خدمات موجهة للمواطن: تطبيق "Mahakim Mobile" لتتبع مآل القضايا، والبوابة الإلكترونية لطلب السجل العدلي.31

  • الملف القضائي الرقمي: الهدف النهائي هو الوصول إلى ملف قضائي إلكتروني بالكامل، من تسجيل الدعوى إلى حين صدور الحكم.35

  • آفاق تكنولوجية: تدرس الوزارة إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تسجيل وتدوين الجلسات، وهو مشروع طموح قد يغير وجه الممارسة القضائية.34

التحديات، الفرص، وتجارب الفاعلين

رغم أهمية هذا الورش، فإنه يواجه تحديات كبيرة:

  • التحديات:

    • الفجوة الرقمية: لا يزال ضعف الإلمام بالتقنيات الرقمية وغياب الولوج إليها يشكلان عائقًا أمام بعض المواطنين وحتى بعض المهنيين.26

    • البنية التحتية والأمن السيبراني: الحاجة إلى بنية تحتية قوية وآمنة لحماية البيانات القضائية الحساسة من الاختراق.29

    • غياب رؤية موحدة: تشير الدراسات إلى غياب التنسيق والرؤية الموحدة بين الفاعلين الرئيسيين (وزارة العدل، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، رئاسة النيابة العامة)، مما يؤدي إلى جهود مجزأة.29

    • الفراغ القانوني: لا يزال غياب إطار قانوني واضح ينظم جوانب حيوية مثل "المحاكمة عن بعد" يشكل عقبة أساسية.29

    • العامل البشري: مقاومة التغيير والحاجة إلى تكوين مستمر ومكثف للقضاة والموظفين والمحامين تعد من أكبر تحديات التنفيذ.26

  • تجربة المحامين: كانت تجربة المحامين مع هذه المنصات متباينة. ففي حين يرحب البعض بالكفاءة التي توفرها "منصة المحامي" 32، يشير آخرون إلى مشاكل تقنية، وضعف التجاوب، وشعور بأن النظام يُفرض دون تشاور أو تكوين كافٍ.33

تُقدَّم الرقمنة كحل سحري لمشاكل النجاعة والشفافية، لكن تطبيقها يكشف عن تحديات أعمق. فهي قد تزيد من حدة التفاوتات القائمة (الفجوة الرقمية) وتخلق نقاط ضعف جديدة (الأمن السيبراني). نجاح هذا الورش لا يعتمد على التكنولوجيا وحدها، بل على حل نفس الصراعات المؤسسية ومشكلات التنسيق التي لوحظت في مجالات أخرى من الإصلاح. فغياب استراتيجية موحدة بين وزارة العدل والمجلس الأعلى ورئاسة النيابة العامة 29 يعني أن المنصات قد لا تكون متكاملة تمامًا، مما يقوض هدف "المحكمة الرقمية" السلسة. كما أن الاندفاع نحو الرقمنة، خاصة خلال جائحة كورونا، أعطى الأولوية أحيانًا للسرعة على حساب ضمانات المحاكمة العادلة، وهو ما أثارته دراسات أكاديمية.40 بالتالي، فإن الرقمنة ليست مجرد حل تقني محايد، بل هي مشروع اجتماعي-تقني معقد يتطلب مقاربة شمولية ترتكز على التكوين المكثف، وضمان الولوج العادل، وبناء إطار قانوني متين، وتحقيق التعاون المؤسسي الذي لا يزال بعيد المنال.

الجزء الخامس: التطور المستمر ووجهات نظر الفاعلين

يُظهر هذا الجزء أن الإصلاح عملية حية ومستمرة، من خلال تحليل آخر التعديلات التشريعية ووجهات النظر المتباينة، وأحيانًا المتضاربة، للفاعلين في الميدان.

تعديل الخريطة القضائية: حالة القانون رقم 73.24

يتمثل آخر تطور في هذا المسار في مشروع القانون رقم 73.24، الذي يعدل المادتين 74 و 75 من القانون 38.15.9 الهدف المعلن لهذا التعديل هو تحقيق ملاءمة أفضل بين الخريطة القضائية والتقسيم الجهوي الإداري الجديد للمملكة. ويأتي هذا استجابة مباشرة للدعوات إلى "تقريب القضاء من المواطنين" عبر ضمان توزيع أكثر عدلاً للمحاكم المتخصصة على الصعيد الوطني.9 كما يهدف إلى تحقيق مرونة أكبر واستغلال أمثل للموارد البشرية واللوجستية.20 يوضح هذا التعديل أن الإصلاح ليس جامدًا، بل يتكيف باستمرار مع سياسات الدولة الأوسع.

وجهات نظر القضاة والمحامين

  • الجمعيات المهنية للقضاة (نادي قضاة المغرب): غالبًا ما تتبنى هذه الجمعيات مواقف تطالب بتكريس أوسع وأعمق لاستقلالية القضاء. تشارك بفعالية في النقاش العمومي، وتصدر مذكرات حول مشاريع القوانين 43، وتدافع عن حقوق القضاة، لتنصّب نفسها حارسًا لروح دستور 2011.15

  • هيئات المحامين: علاقة المحامين بالإصلاحات معقدة ومتوترة في كثير من الأحيان. فمن جهة، يدعمون الجوانب التي تعزز الكفاءة مثل الرقمنة.37 ومن جهة أخرى، عارضوا بشدة إصلاحات أخرى، خاصة التعديلات على قانون المسطرة المدنية التي يرون أنها تحد من الولوج إلى العدالة وتقلص من دور المحامي (كتوسيع القضايا التي لا تستلزم محاميًا أو تقييد الحق في الطعن).39 وتعكس احتجاجاتهم وإضراباتهم شعورًا بغياب التشاور الحقيقي من قبل وزارة العدل.39

دور المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية

تقدم منظمات المجتمع المدني والباحثون الأكاديميون قراءة نقدية ومستقلة لمسار الإصلاح.10 غالبًا ما تشير تقاريرهم إلى بطء وتيرة تنزيل الإصلاحات 10، ووجود فجوة بين النصوص القانونية المتقدمة والواقع العملي، واستمرار ثقافة قد تكون مقاومة للتغيير. كما تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإصلاحات كافية لبناء ثقة حقيقية لدى المواطن في منظومة العدالة.48




خاتمة وتوصيات استراتيجية

لقد أحدث القانون رقم 38.15 تحولات هائلة في المشهد القضائي المغربي، ناقلاً إياه من نظام مجزأ ومتأثر بالسلطة التنفيذية إلى نظام يقوم على مبادئ الاستقلالية المدونة، والتخصص، والرقمنة. ورغم الإنجازات المؤسسية والتشريعية الكبيرة التي تحققت، كإصدار قانون جديد، وتأسيس مجالس مستقلة، وإطلاق منصات رقمية، فإن الأهداف النهائية المتمثلة في تعزيز الثقة العامة وتحقيق النجاعة الشاملة لا تزال ورشًا مفتوحًا، تعترضه تحديات التنفيذ والتوترات بين الفاعلين.

بناءً على هذا التحليل، يمكن تقديم التوصيات الاستراتيجية التالية:

  • لصناع السياسات: إعطاء الأولوية لوضع إطار قانوني شامل وموحد لجميع الإجراءات القضائية الرقمية لسد الثغرات الحالية. وتبني حوار حقيقي ومنظم مع جميع الفاعلين، وخاصة هيئات المحامين، لبناء التوافق وتجنب النزاعات المعطلة.

  • للسلطات القضائية (المجلس الأعلى ورئاسة النيابة العامة): تطوير آليات شفافة وفعالة للتنسيق الإداري والقضائي، سواء فيما بينها أو مع وزارة العدل، للتغلب على تحديات الهيكلة الإدارية المزدوجة. والاستثمار بكثافة في التكوين المستمر والعملي للقضاة حول المقتضيات القانونية الجديدة والأدوات الرقمية.

  • للهيئات المهنية (المحامون وكتاب الضبط): الانخراط بشكل استباقي في بناء قدرات أعضائها للتكيف مع البيئة الرقمية الجديدة. والانتقال من منطق الاحتجاج الرد الفعل إلى نموذج الحوار المستمر القائم على الأدلة مع الحكومة والسلطة القضائية.

  • للأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني: مواصلة الدور الحيوي في المراقبة والتقييم المستقل لأثر الإصلاح، وتوفير البيانات والتحليلات اللازمة لمساءلة المؤسسات وتوجيه التعديلات المستقبلية.

تعليقات