هيئة كتابة الضبط في منظومة العدالة المغربية: دراسة تحليلية شاملة للإطار القانوني، المهام، والتحديات المعاصرة
الجزء الأول: الأسس والإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط
تُعد هيئة كتابة الضبط مكوناً محورياً لا غنى عنه في بنية النظام القضائي المغربي، حيث تمثل الجهاز الإداري والإجرائي الذي يضمن السير المادي والقانوني للعملية القضائية برمتها. إنها ليست مجرد هيئة مساعدة، بل هي العمود الفقري الذي ترتكز عليه المحاكم في أداء رسالتها، ونقطة الوصل الأولى والأخيرة بين المتقاضي ومرفق العدالة.1 يتناول هذا الجزء الأسس المفاهيمية والتاريخية لهذه الهيئة، ويحلل الإطار القانوني والتنظيمي الذي يحكم وجودها وعملها، مسلطاً الضوء على التطورات التي شكلت هويتها المعاصرة.
1.1: التطور المفاهيمي والتاريخي
تعريف الهيئة
يمكن تعريف هيئة كتابة الضبط بأنها مجموع الموظفين الذين يعملون تحت إشراف وزارة العدل، ويزاولون مهامهم في مختلف محاكم المملكة ومصالحها المركزية واللامركزية، بهدف مساعدة القضاء على أداء رسالته النبيلة.1 يتجاوز هذا التعريف البعد الإداري ليشمل دوراً جوهرياً في العملية القضائية؛ فمن خلال كتابة الضبط يتم تسجيل الدعاوى، وتوجيه الاستدعاءات، وتدوين وقائع الجلسات، وحفظ الملفات والوثائق، وتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية.4 بهذا المعنى، تعتبر كتابة الضبط "الذاكرة المؤسساتية للمحكمة" و"الضامن المادي لصحة الإجراءات القضائية"، حيث لا يمكن تصور قيام قاضٍ بعمله أو انعقاد جلسة أو تنفيذ حكم دون تدخل مباشر وفعال من هذا الجهاز.6
المسار التاريخي
لم تظهر هيئة كتابة الضبط بشكلها الحالي فجأة، بل هي نتاج تطور تاريخي طويل يعكس التحولات التي عرفها النظام القضائي المغربي. يمكن تتبع جذورها الحديثة إلى فترة الحماية، حيث أرسى ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتنظيم القضائي وجود "كتابات للضبط" بالمحاكم المحدثة آنذاك.2 في تلك المرحلة، كان دور كاتب الضبط محصوراً في الغالب في مهام الكتابة والنسخ، مما رسخ صورة نمطية تاريخية تعتبره مجرد "كاتب" أو "ناسخ" (Scribe).2
بعد حصول المغرب على استقلاله، بدأت مرحلة جديدة من الإصلاح القضائي، حيث نص ظهير 4 أبريل 1956 المنظم للمحاكم العادية في فصله السادس عشر على أنه "توجد لدى كل محكمة... كتابة للضبط مكلفة بتسجيل الأحكام وقبض الصوائر العدلية والمحاسبة وبجميع ما يأمر به الحكام من إجراءات عدلية".2 شكل هذا النص اعترافاً قانونياً بالدور المحاسبي والإجرائي لكتابة الضبط. ومع توالي الإصلاحات، خاصة إصلاح 1974، تعزز دور الهيئة وتوسعت مهامها، إلا أن الإطار القانوني المنظم لموظفيها ظل يتأرجح بين الأنظمة المختلفة، مما خلق حالة من عدم الاستقرار التشريعي.
الهوية ذات الطبيعة المزدوجة
تكمن إحدى أبرز خصائص هيئة كتابة الضبط في طبيعتها المزدوجة. فمن جهة، هي هيئة إدارية يخضع موظفوها للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل (وزارة العدل)، التي تتولى تدبير شؤونهم المهنية من توظيف وترقية وتأديب، شأنهم في ذلك شأن باقي موظفي الإدارة العمومية.3 ومن جهة أخرى، فإن جوهر مهامهم ذو طبيعة قضائية بامتياز؛ فهم يمارسون أعمالهم تحت السلطة المباشرة للمسؤولين القضائيين (القضاة ورؤساء المحاكم ووكلاء الملك) فيما يتعلق بالمهام القضائية، ويشاركون في تكوين الهيئة القضائية، وتوقيعاتهم تضفي الصبغة الرسمية والأصيلة على الأحكام والمحاضر القضائية.1
هذه الازدواجية لم تعد مجرد توصيف عملي، بل اكتسبت اعترافاً دستورياً وقضائياً. فقد أقرت المحكمة الدستورية في أحد قراراتها بأن موظفي هيئة كتابة الضبط يمارسون مهاماً قضائية إلى جانب مهامهم الإدارية والمالية.11 هذا الاعتراف الرسمي يمثل حجر الزاوية في الهوية المعاصرة للهيئة، ويشكل الأساس القانوني الذي تستند إليه في مطالبها بتحسين وضعيتها القانونية والمادية، بما يتناسب مع جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقها. إن هذا التوتر الكامن بين الهوية الإدارية والوظيفة القضائية هو المحرك الأساسي للكثير من الديناميات التي تشهدها الهيئة اليوم، من إضرابات ومطالب نقابية وصولاً إلى مشاريع الإصلاح الحكومية.
1.2: الإطار القانوني والتنظيمي الحاكم
تخضع هيئة كتابة الضبط لمجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحدد هيكلتها ومهامها ومسار موظفيها. ويشكل فهم هذا الإطار القانوني مدخلاً ضرورياً لتحليل واقع الهيئة وتحدياتها.
النظام الأساسي (مرسوم 2.11.473)
يُعد المرسوم رقم 2.11.473 الصادر في 14 سبتمبر 2011 بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة كتابة الضبط، النص المرجعي الأساسي الذي يحكم موظفي الهيئة حالياً.3 جاء هذا المرسوم ليوحد الأطر المختلفة التي كانت تعمل بالمحاكم ضمن هيئة واحدة، ووضع نظاماً متكاملاً للتوظيف والترقية والتعويضات.
أهم ما جاء به هذا المرسوم هو تحديده لثلاثة أطر رئيسية مكونة لهيئة كتابة الضبط 3:
إطار المنتدبين القضائيين: وهو الإطار الأعلى، الذي يتطلب ولوجه شهادات جامعية عليا.
إطار المحررين القضائيين: وهو إطار وسيط، يتطلب شهادات تقنية أو دبلومات دراسات جامعية.
إطار كتاب الضبط: وهو الإطار الأول في الهرم، ويتطلب شهادة البكالوريا أو ما يعادلها.
كما حدد المرسوم الدرجات والرتب داخل كل إطار، ووضع آليات للترقية، ونظاماً للتعويضات. ورغم أهميته في وضع أساس قانوني موحد، إلا أنه أصبح اليوم محور المطالب النقابية التي تدعو إلى تعديله وتجاوزه بنظام أساسي جديد أكثر تحفيزاً وحماية.13
قانون التنظيم القضائي الجديد (قانون 38.15)
أحدث القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، الصادر بتاريخ 30 يونيو 2022، تحولاً مهماً في بنية كتابة الضبط داخل المحاكم.15 من أبرز مستجداته التنصيص الصريح على وجود هيكلين متميزين داخل كل محكمة 10:
كتابة الضبط لدى الرئاسة: وتتبع لرئيس المحكمة وتتولى تدبير القضايا المدنية والتجارية والإدارية وغيرها من القضايا التي تندرج ضمن اختصاص قضاء الحكم.
كتابة النيابة العامة: وتتبع لوكيل الملك (أو الوكيل العام للملك) وتتولى تدبير القضايا الزجرية وكل ما يتعلق بعمل النيابة العامة.
هذا الفصل الهيكلي لم يكن مجرد تغيير إداري، بل هو تكريس قانوني لواقع عملي قائم، ويهدف إلى توضيح خطوط السلطة والمسؤولية، وتعزيز التخصص داخل الإدارة القضائية.
التعديلات والإصلاحات الأخيرة (2024)
يشهد الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط حركية مستمرة، تعكس تفاعل الحكومة مع المطالب النقابية وضغوط ورش إصلاح العدالة. في هذا السياق، صادق مجلس الحكومة في أكتوبر 2024 على مشروعي مرسومين مهمين 16:
مشروع مرسوم رقم 2.24.955: القاضي بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.11.473 المتعلق بالنظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط. يهدف هذا التعديل إلى تحسين ظروف عمل الموظفين والاستجابة لبعض المطالب المتعلقة بالمسار المهني.
مشروع مرسوم رقم 2.24.956: المتعلق بتحديد شروط وكيفيات صرف التعويضات عن الساعات الإضافية والديمومة لفائدة موظفي هيئة كتابة الضبط. يمثل هذا المرسوم اعترافاً بالأعباء الإضافية التي يتحملها الموظفون، خاصة في الجلسات التي تمتد لساعات متأخرة.
تُظهر هذه التعديلات أن الإطار القانوني ليس جامداً، بل هو في حالة تطور مستمر، وإن كانت وتيرة هذا التطور ومدى استجابته لتطلعات الهيئة تظل محل نقاش وجدل.
اليمين القانونية
قبل مباشرة مهامهم، يؤدي موظفو هيئة كتابة الضبط اليمين القانونية أمام المحكمة التي يعينون بها، والتي نصها: "أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهامي بوفاء وإخلاص، وأن أحافظ على سر المهنة، وأن أسلك في ذلك مسلك الموظف النزيه".3 لا تعد هذه اليمين مجرد إجراء شكلي، بل هي التزام قانوني وأخلاقي يربط الموظف بواجبات الولاء والسرية والنزاهة، ويعزز من مكانته كفاعل أساسي في إقامة العدل، ويضعه في موقع مسؤولية جسيمة تجاه المتقاضين والنظام القضائي ككل.
الجزء الثاني: الهيكل التنظيمي والتراتبية المهنية
تتميز هيئة كتابة الضبط ببنية تنظيمية وتراتبية دقيقة، تعكس ازدواجية مهامها وتنوع اختصاصاتها. يتناول هذا الجزء تحليل هذه البنية على المستويين الكلي والجزئي، بدءاً من التقسيم الأساسي داخل المحاكم، مروراً بالهيكلة الداخلية للمصالح والمكاتب، وانتهاءً بتفصيل الأطر والدرجات المهنية التي تشكل الهرم الوظيفي للهيئة.
2.1: الهيكل التنظيمي على المستوى الكلي
يقوم التنظيم الهيكلي لكتابة الضبط داخل المحاكم المغربية على تقسيم أساسي وجوهري كرسه قانون التنظيم القضائي الجديد رقم 38.15، وهو الفصل بين جناح الرئاسة وجناح النيابة العامة.10
التقسيم الأساسي: كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة
يتجسد هذا التقسيم في وجود كيانين إداريين متمايزين داخل كل محكمة، لكل منهما رئيسه المباشر ومهامه المحددة 1:
كتابة الضبط (لدى الرئاسة): هي الجهاز الإداري الذي يتبع مباشرة لرئيس المحكمة (أو الرئيس الأول في محاكم الاستئناف). تتولى هذه المصلحة كافة الإجراءات المتعلقة بالقضايا غير الزجرية، مثل القضايا المدنية، قضايا الأسرة، القضايا التجارية، القضايا الإدارية، والقضايا الاجتماعية. وتشمل مهامها تسجيل المقالات، وتعيين الجلسات، وتبليغ الأطراف، وتدوين وقائع الجلسات المدنية، وتنفيذ الأحكام الصادرة في هذه المواد.10
كتابة النيابة العامة: هي الجهاز الإداري الذي يتبع مباشرة لوكيل الملك (أو الوكيل العام للملك في محاكم الاستئناف). تتخصص هذه المصلحة في تدبير الإجراءات المتعلقة بالقضايا الزجرية (الجنائية)، بدءاً من تسجيل الشكايات والمحاضر الواردة من الضابطة القضائية، مروراً بتنفيذ تعليمات النيابة العامة، وتتبع ملفات التحقيق، وصولاً إلى تنفيذ العقوبات السالبة للحرية والغرامات.1
هذا الفصل الهيكلي يضمن التخصص الوظيفي ويوضح بشكل قاطع خطوط السلطة الإدارية، حيث لا يمكن لرئيس كتابة الضبط أن يشرف على موظفي كتابة النيابة العامة، والعكس صحيح.10
القيادة الإدارية
على رأس كل من هذين الجناحين، يوجد مسؤول إداري مباشر يعتبر الرئيس التسلسلي للموظفين العاملين تحت إمرته 10:
رئيس مصلحة كتابة الضبط: هو المسؤول الإداري الأول عن موظفي جناح الرئاسة. يتولى الإشراف المباشر عليهم، وتوزيع العمل بينهم، ومراقبة أدائهم وتقييمه، وتنقيطهم سنوياً، بالإضافة إلى تدبير الرخص الإدارية وغيرها من الشؤون الإدارية اليومية.9
رئيس مصلحة كتابة النيابة العامة: يضطلع بنفس المهام الإدارية والتدبيرية، ولكن في نطاق الموظفين العاملين بجناح النيابة العامة.
يتم التعيين في هذين المنصبين بمقتضى قرار لوزير العدل، وعادة ما يتم اختيارهما من بين الأطر العليا للهيئة (المنتدبون القضائيون) الذين تتوفر فيهم شروط الخبرة والكفاءة الإدارية.10
ازدواجية التبعية
يعمل موظفو كتابة الضبط في ظل نظام من "التبعية المزدوجة". فمن الناحية الإدارية الصرفة (التنقيط، الترخيص بالغياب، توزيع المهام)، يخضعون لسلطة رئيس المصلحة التابعين لها (رئيس كتابة الضبط أو رئيس كتابة النيابة العامة).10 أما من الناحية الوظيفية والإجرائية، فهم يخضعون مباشرة للسلطة القضائية التي يساعدونها؛ فكاتب الجلسة المدنية يعمل تحت إشراف القاضي رئيس الجلسة، وكاتب التحقيق يعمل تحت إشراف قاضي التحقيق، والموظف المكلف بتنفيذ تعليمات النيابة العامة يعمل تحت إشراف النائب المكلف بالملف.1 هذه العلاقة المزدوجة تتطلب من الموظف موازنة دقيقة بين الالتزام بالتسلسل الإداري والاستجابة الفورية لمتطلبات العمل القضائي.
2.2: الهيكل الداخلي داخل المحاكم (المستوى الجزئي)
تتفرع كل من كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة داخلياً إلى مجموعة من المكاتب والشعب والأقسام المتخصصة، التي تختلف في عددها وتسمياتها حسب حجم المحكمة (ابتدائية، استئناف) ونوعها (عادية، متخصصة) وحجم القضايا التي تنظر فيها.17 فيما يلي عرض لأهم هذه المكاتب والشعب التي تشكل البنية الداخلية للإدارة القضائية:
أمثلة على المكاتب والشعب الرئيسية في المحاكم الابتدائية 18:
مكتب الضبط والإحصائيات: يعتبر البوابة الرئيسية للمحكمة، حيث يتم تسجيل جميع المقالات والعرائض والشكايات الواردة، وتوجيهها إلى الشعب المختصة، بالإضافة إلى تجميع وإعداد الإحصائيات القضائية.18
مكتب الرسوم القضائية والحسابات (الصندوق): يتولى استخلاص الرسوم القضائية والغرامات والكفالات، ومسك حسابات المحكمة. وهو من المكاتب الحيوية التي تتطلب دقة وأمانة عالية.10
الشعب المدنية: وتشمل مكاتب متخصصة حسب نوع القضايا، مثل: المكتب المدني العام، مكتب قضاء الأسرة، المكتب الاجتماعي (نزاعات الشغل)، والمكتب التجاري.
الشعب الزجرية (الجنحية): وتتفرع بدورها إلى مكاتب مثل: مكتب الجنحي العادي، مكتب الجنحي التلبسي (للقضايا التي بها معتقلون)، مكتب حوادث السير، ومكتب مخالفات السير.18
مكتب التحقيق: يساعد قضاة التحقيق في كافة الإجراءات من استنطاقات ومعاينات وإصدار أوامر قضائية.
مكتب التنفيذ: ينقسم غالباً إلى قسمين: مكتب التنفيذ المدني (تنفيذ الأحكام المدنية والتجارية...) ومكتب التنفيذ الزجري (تنفيذ الغرامات والعقوبات المالية والإكراه البدني).18
مكتب السجل التجاري: يختص بمسك السجل التجاري للشركات والتجار، وتسجيل التقييدات والتشطيبات وتسليم الشهادات الخاصة بذلك.
مكتب السجل العدلي: يتولى إصدار بطاقات السجل العدلي للمواطنين.
أمثلة على المكاتب والشعب في محاكم الاستئناف 18:
تتشابه الهيكلة مع المحاكم الابتدائية مع وجود شعب متخصصة في القضايا الاستئنافية والجنائية، مثل:
الغرفة الجنحية (استئنافية).
غرفة الجنايات الابتدائية.
غرفة الجنايات الاستئنافية.
مكتب الطعون (خاصة الطعن بالنقض).
مكتب العفو ورد الاعتبار.
هذه الهيكلة الداخلية، رغم تنوعها، تهدف إلى تحقيق التخصص الدقيق وضمان انسيابية الإجراءات داخل المحكمة. ومع ذلك، فإن الواقع العملي قد يكشف عن تداخل كبير في المهام بين الموظفين، حيث يمكن تكليف موظف واحد بمهام متعددة تتجاوز نطاق شعبته الأصلية، خاصة في المحاكم الصغيرة أو في ظل الخصاص في الموارد البشرية. هذا الواقع يطرح إشكالية "ضبابية الأدوار"، حيث قد يجد المنتدب القضائي (الحاصل على شهادة عليا) نفسه يقوم بمهام الصندوق أو التسجيل 10، وهي مهام يمكن أن يقوم بها موظف من إطار أدنى. هذا التداخل، وإن كان ضرورياً لسير العمل، قد يولد شعوراً بالإحباط وعدم التوافق بين المؤهلات العلمية والمهام المنجزة، وهو ما تسعى الإصلاحات الجديدة للإدارة القضائية إلى معالجته عبر خلق مسارات مهنية أكثر وضوحاً وتحديداً للمسؤوليات.22
2.3: الأطر والدرجات المهنية
ينظم المرسوم رقم 2.11.473 الهرم الوظيفي لهيئة كتابة الضبط من خلال ثلاثة أطر مهنية رئيسية، يتفرع كل منها إلى درجات ورتب متعددة، مما يرسم مساراً مهنياً واضحاً للموظف منذ التحاقه بالوظيفة وحتى تقاعده.3
إطار المنتدبين القضائيين (Judicial Delegates):
يقع هذا الإطار في قمة الهرم الوظيفي للهيئة. يُشترط لولوج أدنى درجاته (الدرجة الثالثة) الحصول على شهادة الإجازة (البكالوريوس)، بينما تتطلب الدرجة الثانية شهادة الماستر.21 يُعهد إلى المنتدبين القضائيين بالمهام الأكثر تعقيداً والتي تتطلب كفاءة قانونية وإدارية عالية، مثل الإشراف على الموظفين، وتدبير المصالح والشعب، وتأطير الموظفين الجدد، والقيام بالدراسات، وتولي مناصب المسؤولية كرؤساء المصالح.21 يتدرج المنتدب القضائي عبر درجات: الثالثة (السلم 10)، الثانية (السلم 11)، الأولى (خارج السلم)، والممتازة، وصولاً إلى منصب "منتدب قضائي عام" وهو منصب سامٍ.3
إطار المحررين القضائيين (Judicial Editors):
يشكل هذا الإطار الطبقة الوسطى في الهيئة. يتم ولوجه عادة بشهادة تقني متخصص أو دبلوم الدراسات الجامعية العامة (DEUG).24 تتركز مهامهم الأساسية، كما يوحي اسمهم، حول أعمال التحرير الإداري والقضائي، كصياغة المراسلات الإدارية المعقدة، وتحرير مشاريع القرارات، والمساهمة في إعداد الوثائق القضائية.25 يتدرج المحرر القضائي عبر درجات: الرابعة (السلم 8)، الثالثة (السلم 9)، الثانية (السلم 10)، الأولى (السلم 11)، والممتازة.3
إطار كتاب الضبط (Court Clerks):
يمثل هذا الإطار قاعدة الهرم الوظيفي، ويتم ولوجه بشهادة البكالوريا (للدرجة الثالثة) أو مستوى أقل (للدرجة الرابعة).24 يتولى كتاب الضبط المهام الإجرائية الأساسية والمباشرة، مثل استقبال المتقاضين، ومسك السجلات، وحضور الجلسات وتحرير محاضرها، والقيام بإجراءات التبليغ والتنفيذ البسيطة، وإنجاز مختلف الشهادات الإدارية.9 يتدرج كاتب الضبط عبر درجات: الرابعة (السلم 5)، الثالثة (السلم 6)، الثانية (السلم 8)، الأولى (السلم 9)، والممتازة (السلم 10).3
يوضح الجدول التالي هذا الهيكل التراتبي مع ربطه بالشهادات المطلوبة والسلالم الإدارية المقابلة.
الجدول 1: الهيكل التراتبي والأطر المهنية في هيئة كتابة الضبط
الإطار المهني | الدرجة | السلم الإداري المقابل | الشهادة المطلوبة للولوج |
إطار المنتدبين القضائيين | منتدب قضائي عام | منصب سامٍ | ترقية من الدرجة الممتازة |
الدرجة الممتازة | خارج السلم | ترقية من الدرجة الأولى | |
الدرجة الأولى | خارج السلم | ترقية من الدرجة الثانية | |
الدرجة الثانية | 11 | شهادة الماستر أو ما يعادلها | |
الدرجة الثالثة | 10 | شهادة الإجازة أو ما يعادلها | |
إطار المحررين القضائيين | الدرجة الممتازة | 11 | ترقية من الدرجة الأولى |
الدرجة الأولى | 10 | ترقية من الدرجة الثانية | |
الدرجة الثانية | 9 | ترقية من الدرجة الثالثة | |
الدرجة الثالثة | 8 | دبلوم تقني متخصص أو ما يعادله | |
الدرجة الرابعة | 8 | دبلوم الدراسات الجامعية (DEUG) أو دبلوم تقني | |
إطار كتاب الضبط | الدرجة الممتازة | 10 | ترقية من الدرجة الأولى |
الدرجة الأولى | 9 | ترقية من الدرجة الثانية | |
الدرجة الثانية | 8 | ترقية من الدرجة الثالثة | |
الدرجة الثالثة | 6 | شهادة البكالوريا أو ما يعادلها | |
الدرجة الرابعة | 5 | شهادة نهاية التعليم الثانوي التأهيلي أو شهادة التأهيل المهني |
المصدر: تجميع بناءً على المرسوم رقم 2.11.473 3 والمعطيات المتعلقة بالمباريات.21
الجزء الثالث: الولاية، المسؤوليات، والعمليات اليومية
تضطلع هيئة كتابة الضبط بولاية واسعة ومتشعبة، تشكل العصب المحرك للإدارة القضائية. تتوزع مهامها على ثلاثة أبعاد متكاملة: إدارية، مالية، وقضائية. يستعرض هذا الجزء هذه المهام بالتفصيل، متتبعاً دور الهيئة في كل مرحلة من مراحل المسار الإجرائي للقضية، وموضحاً الاختصاصات المحددة لكل إطار من أطرها المهنية.
3.1: ولاية ثلاثية الأبعاد: المهام الإدارية والمالية والقضائية
تتجاوز مهام كتابة الضبط مجرد المساعدة الشكلية للقاضي، لتشمل مسؤوليات جوهرية تضمن حسن سير مرفق العدالة برمته.
المهام الإدارية
تشكل المهام الإدارية العمود الفقري للعمل اليومي في المحاكم، وتتضمن مجموعة واسعة من الأنشطة التي تضمن التنظيم والتوثيق والتواصل 27:
تدبير وحفظ الأرشيف: تتولى كتابة الضبط مسؤولية حفظ وتسيير الأرشيف القضائي، بما في ذلك الملفات المحكومة والوثائق التاريخية، وضمان سهولة الوصول إليها عند الحاجة.11
الإحصائيات القضائية: تقوم بإعداد وتجميع واستغلال الإحصائيات الدورية حول نشاط المحكمة (عدد القضايا المسجلة، المحكومة، الرائجة)، وهي بيانات حيوية لتقييم أداء المحكمة وتخطيط السياسات القضائية.9
تدبير المراسلات: تتكلف بتسجيل وضبط المراسلات الإدارية الواردة على المحكمة والصادرة عنها، وتوجيهها إلى الجهات المعنية.20
التدبير الإداري للموظفين: يمارس رؤساء المصالح مهام إدارية بحتة تجاه الموظفين العاملين تحت إشرافهم، كتقييم الأداء السنوي (التنقيط)، وتوزيع المهام، وتدبير الرخص الإدارية.9
المهام المالية
تضطلع كتابة الضبط بدور حيوي كوكيل مالي للمحكمة، حيث تعتبر المسؤول الأول عن تدبير مواردها المالية. هذه المهام تتطلب درجة عالية من الدقة والنزاهة والمسؤولية 10:
إدارة صندوق المحكمة: يتولى موظف معين، غالباً ما يكون منتدباً قضائياً، مسؤولية "الصندوق" أو "مكتب الرسوم القضائية والحسابات". هذا الموظف، الذي يعمل تحت إشراف رئيس مصلحة كتابة الضبط بصفته محاسباً عمومياً، هو المسؤول عن جميع العمليات المالية للمحكمة.10
استخلاص الرسوم والغرامات: يقوم باستخلاص الرسوم القضائية عند تسجيل المقالات، وتحصيل الغرامات المحكوم بها في القضايا الزجرية، وقبض الكفالات المالية، وإيداعها في الحسابات المخصصة لذلك.20
مسك الحسابات: يلتزم بمسك سجلات محاسبية دقيقة لجميع المداخيل والمصاريف، وإعداد تقارير مالية دورية، وهو ما يجعله خاضعاً لرقابة كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للحسابات.20
المهام القضائية
تعتبر المهام القضائية جوهر عمل هيئة كتابة الضبط وأكثرها أهمية وحساسية، حيث تشارك بشكل مباشر في صناعة العدالة. حضور كاتب الضبط في العديد من الإجراءات ليس اختيارياً بل هو شرط لصحة هذه الإجراءات قانوناً 1:
مساعدة القاضي في الجلسات: يحضر كاتب الضبط (كاتب الجلسة) جميع الجلسات العلنية والسرية، ويجلس إلى جانب هيئة الحكم. حضوره إلزامي، وأي إجراء يتم في غيابه يمكن أن يكون مآله البطلان.7
توثيق الإجراءات: يقوم بتدوين كل ما يروج في الجلسة من مرافعات وتصريحات الشهود والخبراء ودفوع الأطراف في "محضر الجلسة"، الذي يعتبر وثيقة رسمية ذات حجية قانونية قوية.5
إضفاء الصبغة الرسمية على الأحكام: لا يكتسب الحكم القضائي قوته التنفيذية وشكليته النهائية إلا بعد توقيعه من طرف القاضي الذي أصدره وكاتب الضبط الذي حضر الجلسة. هذا التوقيع المشترك هو الذي يضفي على الحكم "الأصالة" ويجعله وثيقة رسمية قابلة للتنفيذ.29
تدبير أدوات الاقتناع: تتولى كتابة الضبط مسؤولية تلقي وحفظ وتصنيف المحجوزات وأدوات الاقتناع في القضايا الزجرية، وضمان تقديمها أمام المحكمة عند الحاجة.17
التنفيذ القضائي: تتولى كتابة الضبط، عبر مكاتب التنفيذ، مسؤولية تنفيذ الأحكام القضائية، سواء كانت مدنية (كأداء الديون) أو زجرية (كتحصيل الغرامات وتطبيق الإكراه البدني)، وهو ما يمثل المرحلة الأخيرة والحاسمة في تحقيق العدالة.5
3.2: المسار الإجرائي: تحليل خطوة بخطوة
لفهم الدور العملي لكتابة الضبط، يمكن تتبع مسار قضية افتراضية منذ ولادتها وحتى تنفيذ الحكم الصادر فيها، حيث تتدخل الهيئة في كل مفصل من مفاصل هذا المسار.
مرحلة ما قبل الجلسة
تبدأ العلاقة بين المتقاضي والمحكمة عبر كتابة الضبط، التي تتولى الإجراءات التمهيدية التالية 6:
تقييد الدعاوى: عندما يتقدم مدعٍ بمقال افتتاحي للدعوى، فإن أول من يستقبله هو موظف مكتب الضبط. يقوم هذا الأخير بتسجيل المقال في سجل خاص، ومنحه رقماً ترتيبياً، وفتح ملف للقضية، واستخلاص الرسم القضائي المستحق.4
توجيه الاستدعاءات: بعد تحديد تاريخ أول جلسة من طرف رئيس المحكمة، تقوم كتابة الضبط بإعداد وتوجيه الاستدعاءات إلى جميع أطراف الدعوى (المدعى عليهم). وتتولى مسؤولية تبليغ هذه الاستدعاءات عبر الطرق المنصوص عليها قانوناً (عون قضائي، بريد مضمون، طريقة إدارية)، مع الحرص على احترام الآجال القانونية للتبليغ لضمان حقوق الدفاع.4
إعداد جدول الجلسات: قبل يوم من انعقاد الجلسة، يقوم كاتب الضبط بإعداد "جدول الجلسات"، وهو قائمة بالقضايا التي ستعرض على الهيئة القضائية في ذلك اليوم، ويتم تعليق هذا الجدول في مكان ظاهر بقاعة الجلسات لإعلام المتقاضين ومحاميهم.11
أثناء الجلسة
خلال انعقاد الجلسة، يتحول دور كاتب الضبط إلى "كاتب الجلسة"، وهو دور محوري وحساس 6:
الحضور الإلزامي: يرتدي كاتب الجلسة بذلته الرسمية 10 ويجلس بجانب القضاة. حضوره، كما ذكرنا، شرط لصحة انعقاد الجلسة قانوناً.31
تحرير محضر الجلسة: مهمته الأساسية هي التدوين الدقيق والمفصل لكل وقائع الجلسة. يسجل هوية الأطراف الحاضرين ودفاعهم، ويضمن تصريحات الشهود بعد أدائهم اليمين، ويدون دفوعات المحامين، والقرارات التمهيدية التي تتخذها المحكمة (مثل تأجيل القضية أو إدخالها للمداولة).5 يجب أن يتميز هذا التدوين بالدقة والموضوعية، وأي تشطيب أو إضافة غير مبررة قد تثير الشك في صحة المحضر.6
مرحلة ما بعد الجلسة
لا ينتهي دور كاتب الضبط بانتهاء المرافعة، بل يستمر في مرحلة ما بعد الجلسة لترجمة قرار المحكمة إلى إجراءات ملموسة 6:
تصفية وتوقيع الأحكام: بعد النطق بالحكم في جلسة علنية، يقوم كاتب الجلسة بتضمين منطوق الحكم في محضر الجلسة، ثم يحرر أصل الحكم ويوقعه إلى جانب رئيس الهيئة القضائية، مما يمنحه صفته الرسمية.7
التبليغ: تتولى كتابة الضبط، بالتنسيق مع المفوضين القضائيين، مهمة تبليغ نسخة من الحكم إلى الأطراف المعنية، وهو إجراء جوهري تبدأ منه آجال الطعن.5
تلقي الطعون: إذا رغب أحد الأطراف في الطعن في الحكم (بالاستئناف، أو التعرض، أو النقض)، فإنه يقدم تصريحه بالطعن لدى كتابة الضبط. تتولى الهيئة تسجيل هذا الطعن، وتجهيز الملف، وإرساله إلى المحكمة الأعلى درجة المختصة بالنظر في الطعن.5
تسليم النسخ: بناءً على طلب من الأطراف، تقوم كتابة الضبط بتسليم أنواع مختلفة من نسخ الأحكام: نسخ عادية للاطلاع، ونسخ طبق الأصل مصادق عليها، والأهم من ذلك "النسخة التنفيذية" التي تحمل الصيغة التنفيذية، وهي الوثيقة الوحيدة التي يمكن بموجبها مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري.5
التنفيذ: عند استنفاد طرق الطعن، وحصول المحكوم له على النسخة التنفيذية، تبدأ المرحلة الأخيرة وهي التنفيذ. يتولى مكتب التنفيذ بكتابة الضبط فتح ملف تنفيذي، ومباشرة الإجراءات اللازمة لإجبار المحكوم عليه على الامتثال لمنطوق الحكم، وقد يشمل ذلك الحجز على ممتلكاته أو تطبيق مسطرة الإكراه البدني في الحالات التي يجيزها القانون.6
3.3: الولايات المحددة لكل إطار
رغم التداخل العملي في المهام، فإن الإطار القانوني يحدد اختصاصات مثالية لكل إطار مهني، تتدرج في درجة التعقيد والمسؤولية بما يتناسب مع المؤهلات المطلوبة لكل منها.
المنتدب القضائي
بصفته الإطار الأعلى، يُناط بالمنتدب القضائي المهام التي تتطلب رؤية شمولية وقدرات تحليلية وتدبيرية متقدمة 21:
الإشراف والتأطير: الإشراف على عمل الموظفين في شعبة أو مصلحة معينة، وتأطيرهم وتكوينهم.
التدبير الإداري: تولي رئاسة المصالح والمكاتب، وتدبير الملفات الإدارية المعقدة، والمساهمة في التخطيط الاستراتيجي للمحكمة.
الملفات القضائية المعقدة: غالباً ما يُكلف بتدبير الملفات التي تتطلب خبرة قانونية دقيقة، مثل ملفات التحقيق في الجرائم المالية، أو قضايا الشركات الكبرى، أو ملفات التعاون القضائي الدولي.35
مأمورية التنفيذ: يمكن أن يُكلف بمهام مأمور التنفيذ في القضايا الكبرى التي تتضمن حجوزات عقارية أو بيوعات قضائية معقدة.21
التمثيل: تمثيل كتابة الضبط في الاجتماعات التنسيقية مع باقي مكونات العدالة (قضاة، محامون، خبراء).
المحرر القضائي
يُعتبر المحرر القضائي الخبير التقني في الصياغة والتحرير، ومهمته الأساسية هي ضمان جودة ودقة الوثائق الصادرة عن المحكمة 25:
التحرير الإداري: صياغة المراسلات الرسمية، والتقارير الدورية، ومشاريع القرارات الإدارية.
التحرير القضائي: المساعدة في تحرير مشاريع الأحكام والقرارات القضائية، والتدقيق اللغوي والقانوني للوثائق قبل توقيعها.
إنجاز الشهادات المعقدة: تحرير الشهادات الإدارية والقضائية التي تتطلب صياغة خاصة ودقيقة.
المصادقة: يمكن تفويضه من طرف رئيس المصلحة للمصادقة على صحة نسخ الأحكام والقرارات.25
كاتب الضبط
يمثل كاتب الضبط الواجهة التنفيذية والمباشرة للإجراءات القضائية اليومية. مهامه ذات طابع إجرائي وتواصلي مباشر 9:
استقبال المرتفقين: هو أول نقطة اتصال مع المتقاضين، حيث يقوم بإرشادهم وتقديم المعلومات الأساسية حول ملفاتهم.
مسك السجلات: يتولى المسك المادي والرقمي لمختلف سجلات المحكمة (سجل الجلسات، سجل الطعون، سجل التنفيذ).
حضور الجلسات: القيام بمهام كاتب الجلسة في القضايا الروتينية، وتدوين محاضرها.
إدخال البيانات: تحديث المعلومات المتعلقة بالملفات في الأنظمة المعلوماتية للمحكمة.
التبليغ والتنفيذ: القيام بالإجراءات البسيطة للتبليغ والتنفيذ تحت إشراف رؤسائه.
يوضح الجدول التالي هذا التوزيع المثالي للمهام حسب كل إطار.
الجدول 2: ملخص المسؤوليات الرئيسية حسب الإطار المهني
الإطار المهني | المسؤوليات الأساسية |
المنتدب القضائي | مهام إشرافية وتدبيرية ومعقدة: - الإشراف على الموظفين وتأطيرهم. - رئاسة المصالح والمكاتب وتدبيرها. - معالجة الملفات القضائية والإدارية المعقدة (جرائم مالية، تعاون دولي). - القيام بمهام مأمور التنفيذ في القضايا الكبرى. - إدارة صندوق المحكمة والعمليات المحاسبية. - تمثيل الإدارة القضائية في الاجتماعات التنسيقية. |
المحرر القضائي | مهام تقنية وتحريرية: - تحرير وصياغة المراسلات والتقارير الإدارية المعقدة. - المساعدة في تحرير مشاريع الأحكام والقرارات القضائية. - التدقيق اللغوي والقانوني للوثائق. - إنجاز الشهادات المتخصصة. - المصادقة على صحة نسخ الأحكام بتفويض. |
كاتب الضبط | مهام إجرائية وتنفيذية مباشرة: - استقبال المتقاضين وتوجيههم. - مسك السجلات المادية والرقمية. - حضور الجلسات وتحرير محاضرها. - إدخال البيانات في الأنظمة المعلوماتية. - القيام بإجراءات التبليغ والتنفيذ البسيطة. - تسليم النسخ والشهادات الروتينية. |
المصدر: تجميع بناءً على تحليل المهام المذكورة في.9
الجزء الرابع: تدبير الموارد البشرية: من الولوج إلى التقاعد
يخضع المسار المهني لموظف هيئة كتابة الضبط لنظام متكامل لتدبير الموارد البشرية، يحدد شروط الولوج للمهنة، ومسارات التكوين، وآليات الترقية، فضلاً عن الحقوق والواجبات والنظام التأديبي. يمثل هذا النظام الإطار الذي ينمو ويتطور ضمنه الموظف طوال حياته المهنية.
4.1: التوظيف والتكوين
يعد الالتحاق بهيئة كتابة الضبط مساراً تنافسياً يتطلب استيفاء شروط محددة واجتياز مراحل انتقائية صارمة، يتبعها تكوين متخصص يهدف إلى تأهيل الموظف الجديد لممارسة مهامه بكفاءة.
شروط الولوج
يتم الالتحاق بالهيئة عبر بوابة الوظيفة العمومية، مما يستلزم توفر الشروط العامة (الجنسية المغربية، التمتع بالحقوق الوطنية، القدرة البدنية) بالإضافة إلى الشروط الخاصة بكل إطار ودرجة 21:
المؤهلات العلمية: يُعد المؤهل العلمي الشرط الأساسي لتحديد الإطار الذي يمكن للمترشح ولوجه. يتطلب إطار كتاب الضبط شهادة البكالوريا (للدرجة الثالثة) 24، بينما يتطلب إطار
المحررين القضائيين دبلوم تقني متخصص أو دبلوم الدراسات الجامعية العامة.24 أما إطار
المنتدبين القضائيين، فيتطلب شهادة الإجازة (البكالوريوس) للدرجة الثالثة وشهادة الماستر للدرجة الثانية، وذلك في تخصصات محددة غالباً ما تكون العلوم القانونية، الشريعة، العلوم الاقتصادية أو التدبيرية.21
السن: يتراوح السن المطلوب عموماً بين 18 و 45 سنة في فاتح يناير من سنة المباراة.3
المباراة التنافسية
يتم التوظيف في هيئة كتابة الضبط حصراً عن طريق المباراة، وهي امتحان تنافسي وطني تنظمه وزارة العدل. تشمل المباراة عادة مرحلتين 21:
الاختبارات الكتابية: وتتضمن اختبارات في مواضيع عامة تتعلق بالمنظومة السياسية أو الإدارية للمغرب، واختبارات خاصة ترتبط بتخصص المترشح (القانون المدني، المسطرة الجنائية، التنظيم القضائي، إلخ).
الاختبار الشفوي: بعد النجاح في الاختبارات الكتابية، يتم استدعاء المترشحين لاجتياز اختبار شفوي أمام لجنة متخصصة، لتقييم معارفهم، وقدراتهم التواصلية، ومدى ملاءمة شخصيتهم لطبيعة المهنة.
تتميز هذه المباريات بمستوى عالٍ من التنافس، حيث يتقدم آلاف المترشحين لعدد محدود من المناصب، مما يجعل نسبة الانتقاء منخفضة.31
التكوين والإدماج
بعد النجاح النهائي في المباراة، لا يتم تعيين الموظف مباشرة في منصبه، بل يخضع لفترة تكوين أساسي تهدف إلى إدماجه في محيط العمل وتزويده بالمهارات اللازمة. يلعب المعهد العالي للقضاء دوراً مركزياً في هذا الصدد، حيث يتولى تنظيم دورات تكوينية لفائدة موظفي كتابة الضبط الجدد.40 يهدف هذا التكوين إلى:
التعريف بالمرفق القضائي: فهم هيكلة المحاكم ووظائفها الأساسية.
التمكن من المفاهيم القانونية والإجرائية: استيعاب قواعد العمل في المحكمة والمساطر المطبقة.
اكتساب المهارات التقنية: التدريب على استخدام الأنظمة المعلوماتية المعتمدة في المحاكم.
ترسيخ القيم والسلوك المهني: التعريف بحقوق وواجبات الموظف، وأخلاقيات المهنة، وتقنيات التواصل.
يشمل التكوين شقاً نظرياً بالمعهد وشقاً تطبيقياً (تدريب ميداني) داخل المحاكم والمصالح المركزية واللامركزية لوزارة العدل، تحت إشراف مسؤولين إداريين وقضائيين.40 بعد انتهاء فترة التكوين بنجاح، التي تعتبر بمثابة فترة تمرين، يتم ترسيم الموظف في درجته.
4.2: التطور والترقية المهنية
يوفر النظام الأساسي لهيئة كتابة الضبط مسارات واضحة للتطور المهني والترقي، سواء داخل الهيئة نفسها أو عبر الانتقال إلى مهن قضائية أخرى.
آليات الترقية
تتم الترقية من درجة إلى درجة أعلى داخل نفس الإطار عبر آليتين رئيسيتين، تحدد حصصهما السنوية بنسب مئوية من عدد الموظفين المستوفين للشروط 3:
امتحان الكفاءة المهنية: هو مسار يعتمد على الجدارة والاستحقاق، حيث يفتح في وجه الموظفين الذين قضوا عدداً معيناً من السنوات في درجتهم (مثلاً، 6 سنوات حسب مرسوم 2011). يتيح النجاح في هذا الامتحان الترقية إلى الدرجة الموالية.3
الترقية بالاختيار: هو مسار يعتمد على الأقدمية والأداء المهني. يتم سنوياً حصر لائحة الموظفين الذين قضوا مدة أقدمية أطول (مثلاً، 10 سنوات حسب مرسوم 2011) في درجتهم، ويتم ترتيبهم حسب النقطة المهنية السنوية التي حصلوا عليها. تقوم اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء باقتراح لائحة المترقين في حدود الحصة المخصصة لهذه الآلية.3
على الرغم من وضوح هاتين الآليتين، إلا أن مسار الترقية، خاصة عن طريق الاختيار، غالباً ما يكون مصدراً لتظلمات الموظفين. فالأقدمية الطويلة المطلوبة، والغموض الذي قد يكتنف أحياناً معايير التنقيط، والتأخر في الإعلان عن نتائج الترقيات، كلها عوامل تخلق شعوراً بـ"انسداد آفاق الترقية" وتعتبر من بين الأسباب الكامنة وراء السخط المهني والمطالب النقابية.41
المسار نحو مناصب المسؤولية
بالإضافة إلى الترقية في الدرجة، يمكن للموظفين الأكفاء، خاصة من إطار المنتدبين القضائيين، الترشح لتولي مناصب المسؤولية الإدارية، مثل رئيس مصلحة كتابة الضبط أو رئيس مصلحة كتابة النيابة العامة. يتم ذلك عبر فتح باب الترشيح لهذه المناصب، ويخضع المترشحون لمقابلة انتقاء أمام لجنة متخصصة لتقييم كفاءاتهم التدبيرية والقيادية.10
الانتقال إلى مهن قضائية أخرى
تتميز مهنة كتابة الضبط في المغرب، وخصوصاً بالنسبة لإطار المنتدبين القضائيين، بكونها "مهنة بوابة" تفتح آفاقاً للانتقال إلى مهن قضائية وقانونية مرموقة أخرى. هذه الميزة تجعلها مهنة جذابة بشكل خاص لخريجي القانون الطموحين. من أبرز هذه المسارات 21:
ولوج سلك القضاء: يمكن للمنتدب القضائي الذي قضى 10 سنوات من الخدمة الفعلية، الترشح لاجتياز مباراة خاصة لولوج سلك القضاء (إذا كان حاصلاً على الماستر) أو تقديم طلب مباشر للإدماج (إذا كان حاصلاً على الدكتوراه).
ولوج مهنة المحاماة: يفتح مشروع قانون المحاماة الجديد الباب أمام المنتدبين القضائيين ذوي الخبرة لولوج مهنة المحاماة.
ولوج مهنة المفوض القضائي: يُعفى المنتدبون القضائيون الذين قضوا 10 سنوات من الخدمة من مباراة ولوج مهنة المفوض القضائي، مع خضوعهم لفترة تمرين واختبار نهاية التمرين.42
هذه الإمكانية الفريدة للتحول المهني، وإن كانت تجذب أفضل الكفاءات للهيئة، قد تطرح في المقابل تحدياً يتعلق بالاحتفاظ بالكوادر الأكثر خبرة، الذين قد يغادرون الهيئة في ذروة عطائهم المهني.
4.3: الحقوق، الواجبات، والنظام التأديبي
كموظفين عموميين، يتمتع أعضاء هيئة كتابة الضبط بمجموعة من الحقوق، ويخضعون في المقابل لواجبات صارمة ونظام تأديبي يهدف إلى ضمان انضباطهم ونزاهتهم.
الحقوق والواجبات
الحقوق: تشمل الحقوق الأساسية الحق في أجرة وتعويضات منتظمة، الحق في الحماية الاجتماعية، الحق في الرخص الإدارية والمرضية، والحق في الانخراط في العمل النقابي وممارسة حق الإضراب للدفاع عن مصالحهم المهنية، وهو حق يمارسونه بشكل متواتر كما تظهره الإضرابات المتكررة التي تشل المحاكم.44
الواجبات: في مقابل هذه الحقوق، تفرض عليهم واجبات مهنية صارمة، أهمها واجب السر المهني، حيث لا يجوز لهم إفشاء أي معلومات اطلعوا عليها بحكم عملهم. كما يلتزمون بواجب النزاهة، الحياد، والولاء، وتنفيذ الأوامر القانونية الصادرة عن رؤسائهم القضائيين والإداريين.3
الإطار التأديبي
يخضع موظفو هيئة كتابة الضبط في الجانب التأديبي لمقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، مع بعض الخصوصيات. أي إخلال بالواجبات المهنية يعرض الموظف للمساءلة التأديبية.47
العقوبات التأديبية: تتدرج العقوبات حسب خطورة الخطأ المرتكب، من العقوبات البسيطة مثل الإنذار والتوبيخ، إلى عقوبات أشد مثل الحذف من لائحة الترقي، والانحدار من الطبقة (الرتبة)، والقهقرة من الدرجة، وصولاً إلى أقصى عقوبة وهي العزل من الوظيفة، مع أو بدون توقيف الحق في التقاعد.20
ضمانات حق الدفاع: يوفر القانون ضمانات أساسية للموظف المتابع تأديبياً، أهمها الحق في الدفاع. لا يمكن اتخاذ أي عقوبة (ما عدا الإنذار والتوبيخ) إلا بعد استشارة المجلس التأديبي (المتمثل في اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء). للموظف الحق في الاطلاع الكامل على ملفه التأديبي، والحق في أن يؤازره مدافع من اختياره، وتقديم ملاحظاته الكتابية والشفوية.48
نظام التقييم (التنقيط): يخضع الموظف سنوياً لتقييم أدائه من طرف رئيسه المباشر، الذي يمنحه نقطة عددية من 0 إلى 20. يتم هذا التقييم بناءً على خمسة معايير محددة: إنجاز الأعمال المرتبطة بالوظيفة، المردودية، القدرة على التنظيم، السلوك المهني، والبحث والابتكار.49 تعتبر هذه النقطة عنصراً حاسماً في الترقية بالاختيار، وأيضاً مؤشراً على القيمة المهنية للموظف.
الرقابة القضائية: كضمانة أخيرة، يمكن للموظف الذي يعتبر أن القرار التأديبي الصادر في حقه مشوب بالشطط في استعمال السلطة أو مخالف للقانون، أن يطعن فيه أمام القضاء الإداري، الذي يملك سلطة إلغاء القرار إذا ثبتت عدم مشروعيته.48
الجزء الخامس: الوضع الاجتماعي والاقتصادي والقضايا المعاصرة
يتناول هذا الجزء الأخير تحليل الوضع الراهن لهيئة كتابة الضبط من خلال دراسة نظام الأجور والتعويضات، واستعراض التحديات والمطالب التي تؤطر حراكها النقابي، ورصد مسار الإصلاح الذي تخوضه، مع وضعها في سياق مقارن مع نظيراتها في أنظمة قضائية أخرى.
5.1: نظام الأجور والتعويضات
يشكل الجانب المادي أحد أبرز محركات الدينامية الاجتماعية داخل هيئة كتابة الضبط، حيث يعتبر نظام الأجور والتعويضات محوراً رئيسياً للمطالب النقابية وموضوعاً للنقاش المستمر بين الهيئة والوزارة الوصية.
مكونات الأجرة
تتكون أجرة موظف كتابة الضبط، شأنه شأن باقي موظفي الدولة، من عدة عناصر رئيسية 11:
الراتب الأساسي: ويحدد بناءً على الدرجة والرتبة التي يوجد فيها الموظف.
التعويض عن الإقامة: ويختلف مقداره حسب المنطقة الجغرافية التي يعمل بها الموظف (المناطق مصنفة أ، ب، ج).
التعويضات المرتبطة بالدرجة: وهي تعويضات نظامية تمنح حسب الإطار والدرجة، وتشمل في حالة هيئة كتابة الضبط تعويضات خاصة مثل "التعويض عن التوثيق" و"التعويض عن التدرج الإداري"، بالإضافة إلى "التعويض عن التأطير" بالنسبة للأطر العليا.11
التعويضات العائلية: وتمنح عن الأطفال في حدود ستة أطفال.
مستوى الأجور والمطالب المالية
تاريخياً، كان مستوى الأجور يعتبر من بين أهم نقاط التوتر، حيث يرى الموظفون أنه لا يتناسب مع جسامة المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم، خاصة المسؤولية الجنائية والمدنية التي قد تترتب عن أخطائهم المهنية.11
أحد أبرز المطالب المالية التي رفعتها النقابات لسنوات هو إقرار الاستفادة من راتب الشهر الثالث عشر والرابع عشر، على غرار ما هو معمول به في هيئات قضائية أخرى مثل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمحاكم المالية.13 كان هذا التفاوت يُنظر إليه على أنه حيف وتمييز غير مبرر، ويشكل أحد الأسباب الرئيسية للشعور بالظلم الذي يغذي الحركات الاحتجاجية.53
إصلاح نظام الأجور (ما بعد 2025)
استجابة لهذه المطالب المتراكمة، شهد النظام المالي لهيئة كتابة الضبط تحولاً هاماً من خلال الإصلاحات الأخيرة التي يُنتظر أن تدخل حيز التنفيذ. تشير المعطيات إلى أن النظام الجديد، الذي يفترض أن يطبق اعتباراً من يوليوز 2025، سيحمل تحسينات مادية ملموسة 21:
زيادة في الرواتب: حيث سيبدأ الراتب الشهري الصافي للمنتدب القضائي من الدرجة الثالثة من حوالي 8000 درهم، ويمكن أن يصل إلى 36,000 درهم بالنسبة لمنصب المنتدب القضائي العام.
إقرار الشهرين الإضافيين: تمت الاستجابة للمطلب التاريخي المتعلق بمنح راتب الشهر 13 و 14.
تعويضات ومنح إضافية: بالإضافة إلى منح سنوية وتعويضات عن المهام والمسؤولية، ومكافأة جديدة لتحفيز الأداء.
يوضح الجدول التالي مقارنة بين الوضع المالي قبل وبعد الإصلاح المرتقب، مما يبرز حجم التحول.
الجدول 3: مقارنة تقديرية للرواتب الصافية والتعويضات (قبل وبعد إصلاح 2025)
الإطار / الدرجة | السلم الإداري | الراتب الصافي الشهري التقديري (قبل 2025) | الراتب الصافي الشهري التقديري (بعد 2025) | الاستفادة من راتب الشهر 13 و 14 |
كاتب الضبط (الدرجة 3) | 6 | ~ 3,717 درهم | غير محدد بدقة (زيادة متوقعة) | تمت الموافقة |
المحرر القضائي (الدرجة 4) | 8 | ~ 4,805 درهم | غير محدد بدقة (زيادة متوقعة) | تمت الموافقة |
المنتدب القضائي (الدرجة 3) | 10 | ~ 6,172 درهم | يبدأ من 8,000 درهم | تمت الموافقة |
المنتدب القضائي (الدرجة 2) | 11 | ~ 9,306 درهم | زيادة متناسبة | تمت الموافقة |
المنتدب القضائي العام | منصب سامٍ | غير محدد | يصل إلى 36,000 درهم | تمت الموافقة |
المصدر: تجميع بناءً على.11 الأرقام تقديرية وتخضع للاقتطاعات الضريبية والاجتماعية.
5.2: التحديات، المطالب، والعمل النقابي
تواجه هيئة كتابة الضبط مجموعة من التحديات المهنية والمؤسسية التي تشكل محور عملها النقابي ومطالبها المستمرة.
المطالب الأساسية
تتجاوز المطالب الجانب المادي لتشمل اعترافاً مؤسسياً وقانونياً بالدور المحوري للهيئة. المطلب المركزي الذي يوحد جميع النقابات هو إخراج نظام أساسي جديد، محفز ومحصن.45 يهدف هذا النظام الأساسي المنشود إلى:
الاعتراف بالهوية القضائية: ترسيخ الطبيعة القضائية لمهام الهيئة في نص قانوني صريح، بما يتماشى مع قرار المحكمة الدستورية، وتجاوز النظرة التي تختزلها في دور إداري ثانوي.12
تحسين الظروف المادية: مراجعة شاملة لنظام الأجور والتعويضات ليتناسب مع جسامة المهام والمخاطر المهنية.
تحصين المسار المهني: وضع آليات ترقية أكثر شفافية وسرعة، وفتح آفاق حقيقية للتطور المهني.
الحماية القانونية: توفير حماية قانونية فعالة للموظفين من أي اعتداء أو إهانة أثناء مزاولة مهامهم.
غالباً ما تستند هذه المطالب إلى التوجيهات الملكية السامية، خاصة الخطاب الملكي لـ 29 يناير 2003 الذي دعا صراحة إلى النهوض بأوضاع هيئة كتابة الضبط ووضع نظام أساسي محفز لها، مما يمنح هذه المطالب شرعية رمزية وسياسية قوية.14
الإضراب كأداة نضالية
في مواجهة ما تعتبره النقابات تباطؤاً أو تجاهلاً من الحكومة لمطالبها، لجأت هيئة كتابة الضبط بشكل متكرر إلى الإضراب الوطني كأداة ضغط أساسية. وقد شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الإضرابات المفتوحة والمتتالية التي أدت إلى شل عمل المحاكم في جميع أنحاء المملكة لأسابيع وأحياناً لأشهر.44 هذه الإضرابات، وإن كانت تعبر عن عمق الاحتقان داخل القطاع، فإنها تخلف آثاراً سلبية عميقة على سير مرفق العدالة، حيث تؤدي إلى تأجيل آلاف الجلسات، وتراكم الملفات، وتعطيل مصالح المتقاضين، مما يمس في الصميم بحق المواطن في محاكمة عادلة داخل أجل معقول.45
إن السبب الجذري لهذا الاحتقان لا يكمن فقط في الخلاف مع وزارة العدل، بل غالباً ما يتعلق بـالعائق البيروقراطي بين الوزارات. ففي كثير من الأحيان، تتوصل وزارة العدل إلى اتفاق مبدئي مع النقابات، لكن تنفيذ هذا الاتفاق يصطدم برفض أو تأخير من وزارة الاقتصاد والمالية التي تتحكم في الغلاف المالي للإصلاح.51 هذا الوضع يحول الصراع من حوار قطاعي إلى مواجهة مع الحكومة ككل، ويزيد من تعقيد إيجاد الحلول.
5.3: مسار الإصلاح والآفاق المستقبلية
تخوض هيئة كتابة الضبط، كجزء من منظومة العدالة، مساراً إصلاحياً عميقاً يهدف إلى تحديث أساليب عملها والارتقاء بأدائها، وتعتبر الرقمنة حجر الزاوية في هذا المسار.
التحول الرقمي
تتبنى وزارة العدل استراتيجية طموحة للتحول الرقمي، تقع هيئة كتابة الضبط في قلب تنفيذها. تشمل هذه الاستراتيجية 27:
الإدارة الإلكترونية للملفات: الانتقال من السجلات الورقية إلى أنظمة معلوماتية متكاملة لتدبير الملفات القضائية منذ تسجيلها وحتى أرشفتها.
التبليغ والتوقيع الإلكتروني: اعتماد آليات جديدة للتبليغ الإلكتروني، وتمكين القضاة والموظفين من التوقيع الإلكتروني على المحاضر والأحكام.
الخدمات القضائية عن بعد: إطلاق منصات إلكترونية موجهة للمتقاضين والمهنيين (محامون، مفوضون قضائيون) للاطلاع على مآل القضايا وتقديم الطلبات عن بعد.
هذا التحول، رغم أهميته في تحسين النجاعة والشفافية، يطرح تحديات كبيرة على هيئة كتابة الضبط. فهو يزيد من التعقيد التقني للمهام، ويتطلب من الموظفين اكتساب مهارات جديدة ومواكبة مستمرة للتطورات التكنولوجية.57 وهنا يظهر ما يمكن تسميته بـ**"مفارقة الإصلاح"**: فبينما تهدف الرقمنة إلى التحديث، فإنها تزيد من أعباء العمل والضغط على الموظفين، وإذا لم تواكبها تحسينات موازية في الوضعية المادية والمهنية، فإنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تغذي الشعور بالاستغلال وتزيد من حدة المطالب الاجتماعية.12
المفهوم الجديد للإدارة القضائية
يتجه الإصلاح نحو بلورة "مفهوم جديد للإدارة القضائية"، يتجاوز النظرة التقليدية لكتابة الضبط كجهاز إجرائي سلبي، إلى اعتبارها إدارة قضائية فاعلة ومسؤولة عن تحقيق أهداف النجاعة والجودة.22 يتطلب هذا التحول تعزيز الأدوار التدبيرية لرؤساء المصالح، وتطوير مؤشرات قياس الأداء، والتركيز على تقديم خدمة قضائية تتمحور حول المواطن. إن الإصلاحات الأخيرة، خاصة المتعلقة بالنظام الأساسي والتعويضات، تعتبر خطوة في هذا الاتجاه، تهدف إلى تحفيز الموظفين للانخراط بفعالية في هذا الورش التحديثي.16
5.4: منظور مقارن
يساعد وضع هيئة كتابة الضبط المغربية في منظور مقارن مع نظيراتها في أنظمة قضائية أخرى، مثل فرنسا والولايات المتحدة، على إبراز خصوصياتها ونقاط التشابه والاختلاف.
فرنسا (Greffier)
يشترك كاتب الضبط المغربي مع Greffier الفرنسي في العديد من الخصائص، نظراً للتأثر التاريخي للنظام المغربي بالنموذج الفرنسي.6 كلاهما يعتبر موظفاً عمومياً، وحضوره إلزامي في الجلسات، وتوقيعه ضروري لإضفاء الأصالة على الأحكام القضائية.7 كما أن كلاهما يمثل الواجهة الأولى للمتقاضي مع العدالة. من أبرز نقاط الاختلاف والتشابه وجود مدرسة وطنية متخصصة في فرنسا (École nationale des greffes) بمدينة ديجون، وهي مؤسسة مكرسة حصراً لتكوين أطر كتابة الضبط، مما يعكس درجة عالية من التخصص المؤسسي.2
الولايات المتحدة (Court Clerk)
يختلف الوضع بشكل كبير في النظام الأنجلوسكسوني. فـ Court Clerk في الولايات المتحدة، خاصة على مستوى الولايات، يمكن أن يكون منصباً منتخباً وليس وظيفة في إطار الخدمة المدنية، وهو اختلاف جوهري عن النموذج المغربي.59 كما أن مهامه غالباً ما تكون أوسع وأكثر تركيزاً على الجانب الإداري والمالي، حيث يوصف أحياناً بأنه "المدير الإداري والمالي للمحكمة" (chief information and financial officer).59 المتطلبات التعليمية لولوج الوظيفة في المحاكم الفيدرالية قد تكون أعلى، حيث تشترط أحياناً شهادات في القانون أو الماجستير في الإدارة العامة.60
يوضح الجدول التالي هذه المقارنة بشكل موجز.
الجدول 4: تحليل مقارن لكتاب الضبط (المغرب، فرنسا، الولايات المتحدة)
الميزة | المغرب (كاتب الضبط) | فرنسا (Greffier) | الولايات المتحدة (Court Clerk) |
الوضعية القانونية | موظف عمومي (تابع لوزارة العدل) | موظف عمومي (تابع لوزارة العدل) | موظف معين أو منتخب (حسب الولاية) |
التوظيف | مباراة وطنية تنافسية | مباراة وطنية تنافسية | توظيف مباشر أو انتخاب |
المهام الرئيسية | قضائية، إدارية، ومالية | قضائية، إدارية، ومالية | إدارية ومالية بشكل أساسي، مع مهام قضائية |
الدور في الجلسة | حضور إلزامي، محرر وموثق للمحضر | حضور إلزامي، محرر وموثق للمحضر | إدارة الإجراءات، تحليف الشهود، إدارة الأدلة |
التكوين | المعهد العالي للقضاء (مشترك مع القضاة) | المدرسة الوطنية لكتابة الضبط (مؤسسة مستقلة) | تكوين أثناء العمل، شهادات متخصصة اختيارية |
المصدر: تجميع بناءً على.2
الخاتمة
تُظهر هذه الدراسة التحليلية الشاملة أن هيئة كتابة الضبط ليست مجرد جهاز إداري هامشي، بل هي شريك أساسي في إقامة العدل وعمود فقري لا غنى عنه لسير المحاكم في المغرب. لقد تطورت هويتها من مجرد وظيفة كتابية إلى هيئة ذات طبيعة ثلاثية الأبعاد (قضائية، إدارية، ومالية)، وهو ما كرسه الإطار القانوني والاجتهاد القضائي.
ومع ذلك، كشفت الدراسة عن وجود توتر بنيوي عميق بين الأهمية الوظيفية الجوهرية للهيئة ووضعيتها الإدارية والمادية التي ظلت لفترة طويلة لا ترقى إلى مستوى مسؤولياتها. هذا التوتر هو الذي فجر ويغذي الحركات الاحتجاجية والمطالب المستمرة بإصدار نظام أساسي جديد ومنصف، وهو المطلب الذي شكل محور الحوار الاجتماعي القطاعي لسنوات.
إن الإصلاحات الأخيرة التي صادقت عليها الحكومة، خاصة تلك المتعلقة بتحسين الأجور وإقرار تعويضات إضافية، تمثل خطوة مهمة للاستجابة لهذه المطالب التاريخية، وقد تساهم في نزع فتيل الاحتقان على المدى القصير. لكن التحدي الأكبر يبقى في المدى الطويل، ويتمثل في مدى قدرة النظام الأساسي الجديد على تجسيد الاعتراف الكامل بالهوية القضائية للهيئة، وفتح آفاق حقيقية للتطور المهني، وتحفيز الموظفين على الانخراط الفعال في ورش التحول الرقمي والمفهوم الجديد للإدارة القضائية.
في نهاية المطاف، إن استقرار ونجاعة منظومة العدالة المغربية مرتبطان ارتباطاً وثيقاً باستقرار وفعالية هيئة كتابة الضبط. وأي إصلاح يهدف إلى تحقيق "قضاء في خدمة المواطن" يجب أن يبدأ بالضرورة من الاعتراف الكامل بأهمية هذه الهيئة، وتوفير الظروف المادية والمعنوية التي تمكنها من أداء رسالتها على أكمل وجه، وضمان أن يكون موظفوها فاعلين محفزين ومُكرَّمين، لا مجرد منفذين مُرهَقين. إن مستقبل العدالة في المغرب يعتمد، إلى حد كبير، على نجاح هذا التحدي.
تعليقات
إرسال تعليق