دليلك الشامل: معرفة حقوقك عند توقيفك من قبل الشرطة في المغرب
مقدمة: سيادة القانون وحريتك الشخصية
في نسيج أي مجتمع حديث، يمثل التوازن الدقيق بين سلطة الدولة في الحفاظ على النظام العام والأمن، والتزامها بحماية الحريات الفردية، حجر الزاوية لدولة الحق والقانون. لا تُعد سلطة أجهزة إنفاذ القانون في المغرب، بما في ذلك الشرطة، سلطة مطلقة، بل هي منظمة ومقيدة بشكل صارم بموجب القانون، لضمان عدم المساس بالحقوق الأساسية للمواطنين.
إن المبدأ الأساسي الذي يحكم المنظومة القضائية المغربية هو "قرينة البراءة". فوفقاً للمادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية، "كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية".1 هذا المبدأ ليس مجرد نص قانوني، بل هو فلسفة قضائية تضع عبء الإثبات على عاتق سلطة الاتهام، وتفسر الشك دائماً لصالح المتهم.
علاوة على ذلك، فإن ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان هو اختيار استراتيجي للمملكة المغربية لا رجعة فيه.2 وبالتالي، فإن الضمانات القانونية التي تحيط بإجراءات التوقيف والاحتجاز ليست تنازلات، بل هي التزامات جوهرية للدولة تجاه مواطنيها، تهدف إلى صون كرامتهم وحرياتهم.
يهدف هذا الدليل إلى تمكين المواطنين من خلال تزويدهم بفهم تفصيلي وموثق قانونياً لحقوقهم وواجباتهم أثناء التعامل مع الشرطة. فالمعرفة الدقيقة بالقانون لا تحمي الفرد من التعسف المحتمل فحسب، بل تعزز أيضاً الشفافية والمساءلة، وتساهم في بناء علاقة بين المواطن وأجهزة إنفاذ القانون تقوم على الاحترام المتبادل وسيادة القانون.
الفصل الأول: الأساس القانوني لعمل الشرطة
لفهم حقوقك بشكل كامل، من الضروري أولاً فهم الإطار القانوني الذي تعمل ضمنه الشرطة، والآليات التي تشرف على عملها وتراقبه. هذا الفهم يوضح أن إجراءات الشرطة ليست عشوائية، بل تخضع لسلسلة من الضوابط القضائية الصارمة.
الشرطة القضائية: التعريف والمهام
تُعرف الجهة التي تتولى التحقيق في الجرائم باسم "الشرطة القضائية" (La Police Judiciaire). وتحدد المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية مهامها الأساسية في ثلاث نقاط رئيسية: التثبت من وقوع الجرائم، وجمع الأدلة عنها، والبحث عن مرتكبيها وتقديمهم للعدالة.3 تعمل الشرطة القضائية ضمن ثلاثة سياقات قانونية محددة:
البحث التمهيدي (L'enquête préliminaire): وهو الإطار العام الذي يتم فيه التحقيق في الشكايات والوشايات في الأحوال العادية.
حالة التلبس (Le flagrant délit): وهي حالة استثنائية تمنح ضباط الشرطة القضائية صلاحيات أوسع عند ضبط الجريمة أثناء ارتكابها أو في ظروف محددة تليها مباشرة.
الإنابة القضائية (La commission rogatoire): وهي عندما يقوم قاضي التحقيق بتكليف الشرطة القضائية بالقيام بإجراءات تحقيق معينة نيابة عنه.3
منظومة الإشراف والرقابة القضائية
إن أهم ضمانة لحماية حقوق الأفراد هي أن الشرطة القضائية لا تعمل بمعزل عن السلطة القضائية، بل تخضع لإشرافها المباشر.
دور النيابة العامة
تخضع أعمال ضباط الشرطة القضائية للإشراف المباشر من قبل النيابة العامة، ممثلة في شخص وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف.4 هذا يعني أن الشرطة القضائية تقدم تقاريرها وتخضع لتوجيهات السلطة القضائية، مما يضمن أن تكون إجراءاتها متوافقة مع القانون.
الرقابة الفعالة
هذا الإشراف ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو رقابة فعالة ومستمرة. فقد ألزم القانون وكيل الملك بزيارة أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية (مخافر الشرطة) مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، للتحقق من شرعية الاعتقال وظروفه.1 كما يتعين على ضباط الشرطة القضائية توجيه لائحة يومية إلى النيابة العامة بأسماء الأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الـ 24 ساعة الماضية.5 والأهم من ذلك، أن للنيابة العامة سلطة الأمر في أي وقت بإنهاء حالة الحراسة النظرية أو إحضار الشخص المحتجز أمامها فوراً إذا تبين لها وجود أي تجاوز.5
إن هذا الهيكل القانوني يخلق عمداً علاقة توازن وضبط بين السلطة التنفيذية للشرطة في التحقيق والسلطة القضائية للنيابة العامة في حماية الحريات. هذا النظام ليس مصادفة، بل هو جوهر سيادة القانون، حيث تخضع ضرورات التحقيق للرقابة القضائية فيما يتعلق بالحقوق الأساسية. المواطن الذي يدرك هذه العلاقة الهرمية لا يعود في مواجهة ثنائية بسيطة مع ضابط الشرطة، بل يصبح طرفاً في نظام ثلاثي. فعندما يطالب المواطن بهدوء واحترام بتسجيل طلباته في المحضر الرسمي (مثل "أطلب تسجيل رغبتي في الاتصال بمحامي ليطلع عليه السيد وكيل الملك")، فإنه لا يتحدى الضابط، بل يستدعي آلية الرقابة القضائية، مذكراً إياه بأن أفعاله ستخضع لتدقيق سلطة قضائية أعلى. هذا يغير ديناميكية الموقف من تحدٍ إلى احتكام للإجراءات القانونية نفسها.
الفصل الثاني: التعامل الأولي: من التحقق من الهوية إلى التوقيف
تتنوع أشكال اللقاء الأول مع الشرطة، ومن الضروري التمييز بين الإجراءات الروتينية والتوقيف الرسمي الذي يترتب عليه تقييد للحرية. معرفة هذا الفارق وتحديد السلوك المناسب في كل حالة هو خط الدفاع الأول للمواطن.
التحقق الروتيني من الهوية
تمتلك السلطات الأمنية صلاحية إجراء عمليات التحقق من الهوية كإجراء روتيني يهدف إلى الحفاظ على النظام العام.6 هذا الإجراء لا يستند بالضرورة إلى الاشتباه في ارتكاب جريمة معينة.
واجب المواطن: يلتزم المواطن قانوناً بتقديم بطاقة التعريف الوطنية عند طلبها من قبل رجل أمن.6 ويعتبر الامتناع عن ذلك مخالفة قد تؤدي إلى اقتياد الشخص إلى مخفر الشرطة للتحقق من هويته.6
التمييز عن التوقيف: من المهم التأكيد على أن التحقق من الهوية ليس توقيفاً أو اعتقالاً. إنه إجراء إداري أولي. ومع ذلك، يمكن أن يتطور الموقف إلى توقيف إذا كشف التحقق عن وجود مذكرة بحث أو أي مسائل قانونية أخرى عالقة بحق الشخص المعني.6
الأسباب القانونية للتوقيف
التوقيف هو إجراء سالب للحرية، وبالتالي يتطلب مبرراً قانونياً أقوى بكثير من مجرد التحقق من الهوية.7 لا يمكن توقيف شخص إلا في حالتين رئيسيتين:
حالة التلبس بالجريمة: وهي من أكثر الحالات التي تمنح الشرطة صلاحيات فورية. وقد حدد قانون المسطرة الجنائية مفهوم التلبس بدقة 4:
إذا ضُبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها.
إذا كان الفاعل ما يزال مطارداً بصياح الجمهور.
إذا وُجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب الفعل حاملاً أسلحة أو أشياء، أو وُجدت عليه آثار أو علامات، يستدل معها على مشاركته في الجريمة.
في إطار البحث التمهيدي: يمكن أيضاً توقيف شخص خارج حالة التلبس إذا توفرت لدى ضابط الشرطة القضائية قرائن كافية ومتماسكة تشير إلى تورطه في ارتكاب جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون بالحبس.8
السلوك الأمثل أثناء التعامل مع الشرطة
إن طريقة تصرفك أثناء اللقاء الأول مع الشرطة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مسار الأحداث.
حافظ على هدوئك: من الضروري التزام الهدوء والتحدث باحترام، وتجنب الجدال أو استخدام لغة عدائية.10
لا للمقاومة الجسدية: من الأهمية بمكان عدم مقاومة التوقيف جسدياً أو لمس رجل الشرطة، حتى لو كنت تعتقد أن التوقيف غير قانوني أو غير عادل. المقاومة قد تؤدي إلى توجيه تهم إضافية وأكثر خطورة لك.10
التأكيد الشفهي على الحقوق: مع الحفاظ على الهدوء، يجب على المواطن أن يعبر بوضوح وحزم عن رغبته في ممارسة حقوقه، كأن يقول: "أرغب في التزام الصمت" أو "أرغب في التحدث إلى محامٍ".12
التعرف على هوية الضابط: من حقك معرفة هوية الضابط الذي تتعامل معه، والذي يجب أن يكون مرتدياً للزي الرسمي أو أن يبرز بطاقته المهنية التي تحمل اسمه ورقمه المهني.10 حاول تدوين اسمه ورقمه إذا أمكن ذلك.10
الفصل الثالث: فهم الوضع تحت الحراسة النظرية
"الوضع تحت الحراسة النظرية" هو الإجراء الذي يتم بموجبه احتجاز شخص مشتبه فيه في مخفر الشرطة لمدة محددة قانوناً لمصلحة التحقيق. نظراً لكونه إجراءً سالباً للحرية، فقد أحاطه المشرع المغربي بضمانات وشروط صارمة.
مبررات وشروط الوضع تحت الحراسة النظرية
إجراء استثنائي: يؤكد القانون على أن الحراسة النظرية هي "تدبير استثنائي"، لا يتم اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى التي يقتضيها البحث.4
الشروط القانونية: لا يمكن وضع شخص تحت الحراسة النظرية إلا في قضايا الجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها القانون بالحبس. ومن غير القانوني تماماً احتجاز شخص لهذا السبب في قضايا المخالفات البسيطة.4
مبررات التحقيق: الأسباب المحددة قانوناً التي تبرر هذا الإجراء هي: الحفاظ على الأدلة ومنع تغيير معالم الجريمة، أو ضمان حضور المشتبه فيه للقيام بالتحريات التي تستلزم مشاركته.8
المدة الزمنية والتمديد
يبدأ احتساب مدة الحراسة النظرية من ساعة إيقاف الشخص المعني.5 وقد حدد القانون هذه المدة بدقة متناهية، وأي تمديد لها يخضع لموافقة قضائية مسبقة. ومن الجدير بالذكر أن المدة التي يستغرقها نقل الشخص من مكان بعيد إلى مخفر الشرطة لا تدخل عموماً في حساب مدة الحراسة النظرية.15
إن أي تمديد للمدة الأصلية للحراسة النظرية يتطلب أمراً كتابياً ومعللاً (مبرراً) من النيابة العامة.9 هذه الضمانة حيوية، فهي تمنع الاحتجاز التعسفي وتجبر السلطات على تقديم مبررات واضحة للقضاء لاستمرار سلب حرية شخص لم تتم إدانته بعد.
جدول 3.1: المدد القانونية القصوى للوضع تحت الحراسة النظرية
نوع الجريمة | المدة الأصلية | التمديد الأول | التمديد الثاني | المدة الإجمالية القصوى | الأساس القانوني (ق.م.ج) |
الجرائم العادية (جنايات/جنح) | 48 ساعة | 24 ساعة (بإذن كتابي من النيابة العامة) | لا يوجد | 72 ساعة | المادة 66 9 |
جرائم المس بأمن الدولة | 96 ساعة | 96 ساعة (بإذن كتابي من النيابة العامة) | لا يوجد | 192 ساعة | المادتان 66 و 80 1 |
الجرائم الإرهابية | 96 ساعة | 96 ساعة (بإذن كتابي من النيابة العامة) | 96 ساعة (بإذن كتابي من النيابة العامة) | 288 ساعة | المادتان 66 و 80 9 |
سجل الحراسة النظرية
ألزم القانون كل مخافر الشرطة التي يمكن أن يوضع فيها أشخاص تحت الحراسة النظرية بمسك "سجل خاص" مرقم الصفحات وموقع من طرف وكيل الملك.1
محتويات السجل: يجب أن يدون في هذا السجل: هوية الشخص المحتجز، سبب وضعه تحت الحراسة، ساعة بداية الاحتجاز وساعة نهايته، مدة الاستنطاق، فترات الراحة، حالته البدنية والصحية، ونوع التغذية المقدمة له.1
التوقيع والمراقبة: يجب على الشخص الموضوع تحت الحراسة التوقيع على هذا السجل عند انتهاء مدة الاحتجاز (وفي حال رفضه يشار إلى ذلك). كما يجب عرض هذا السجل على وكيل الملك للاطلاع عليه ومراقبته وتوقيعه مرة في الشهر على الأقل.1
إن هذا السجل ليس مجرد إجراء إداري، بل هو درع قانوني للمواطن. إنه الوثيقة الرسمية الأساسية التي توثق كل دقيقة من وقت الشخص في الحجز. إن الدقة التي يفرضها القانون في تدوين تفاصيل مثل أوقات الاستنطاق والراحة والحالة الصحية تهدف إلى خلق سجل موضوعي لا يمكن إنكاره، مما يجعل من الصعب تلفيق الادعاءات أو إخفاء الانتهاكات. فإذا تعرض محتجز لاستجواب مطول دون راحة، أو تم حرمانه من الطعام أو الرعاية الطبية، فإن الإصرار على تدوين ذلك في السجل يصبح أمراً حاسماً. حتى لو رفض الضابط تدوين الملاحظة، يمكن للمحتجز أن يرفض التوقيع على السجل عند الإفراج عنه، مع ذكر أن السبب هو عدم دقة المعلومات المسجلة. هذا الرفض يخلق نقطة خلاف قانونية يمكن للمحامي استغلالها لاحقاً للطعن في شرعية الحجز وكل الأدلة التي تم الحصول عليها خلاله. وبهذا، يتحول السجل من مجرد وثيقة إدارية إلى حليف موضوعي للمحتجز، ويحول الادعاءات الشفهية بالتعرض لسوء المعاملة إلى طعن مباشر في صحة الوثائق الرسمية.
الفصل الرابع: حقوقك الثابتة أثناء الحراسة النظرية
منذ لحظة التوقيف وطوال فترة الوضع تحت الحراسة النظرية، يكفل القانون المغربي مجموعة من الحقوق الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها، والتي تهدف إلى ضمان كرامة المشتبه فيه وحماية حقوق دفاعه.
الحق في الإخبار الفوري
يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يخبر كل شخص تم توقيفه أو وضعه تحت الحراسة النظرية، فوراً وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله والتهمة المنسوبة إليه.1 هذا الحق أساسي لتمكين الشخص من فهم وضعيته القانونية منذ البداية.
الحق في التزام الصمت
هذا الحق هو من أهم الضمانات الدستورية والقانونية.1 لا يمكن معاقبة أي شخص على رفضه الإجابة على أسئلة المحققين. والأهم من ذلك، أن المادة 293 من قانون المسطرة الجنائية تنص صراحة على بطلان كل اعتراف ينتزع بالعنف أو الإكراه، ولا يعتد به أمام المحكمة.1
الحق في الاستعانة بمحامٍ
متى ينشأ الحق: ينشأ الحق الصريح في الاتصال بمحامٍ عند تمديد فترة الحراسة النظرية.1
الإجراءات: يتم الاتصال بترخيص من النيابة العامة، لمدة أقصاها 30 دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية ولكن في ظروف تكفل سرية المقابلة. في الحالات الاستثنائية (مثل بعد المسافة)، يمكن للضابط أن يأذن بالاتصال بشكل استثنائي، مع إبلاغ النيابة العامة فوراً.1
دور المحامي: يمكن للمحامي تقديم المشورة القانونية لموكله، كما يحق له تقديم ملاحظات كتابية أو وثائق لإضافتها إلى محضر القضية.1
تأخير الاتصال في القضايا الخطيرة: في جرائم الإرهاب أو المس بأمن الدولة، يمكن للنيابة العامة، بناءً على طلب ضابط الشرطة، أن تؤخر اتصال المحامي بموكله لمدة لا تتجاوز 48 ساعة من بداية التمديد الأول، إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك.1
الحق في إخبار الأسرة
يلتزم ضابط الشرطة القضائية بإشعار عائلة الشخص المحتجز فور اتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة النظرية، وذلك بأي وسيلة ممكنة، ويجب الإشارة إلى هذا الإجراء في المحضر الرسمي.1
الحق في الفحص الطبي
يحق للشخص المحتجز طلب إخضاعه لفحص طبي في أي وقت. ويتعين على النيابة العامة أو قاضي التحقيق الاستجابة لهذا الطلب.1 والأكثر أهمية من ذلك، إذا لاحظ الضابط أو القاضي على المشتبه فيه علامات عنف أو إذا اشتكى من تعرضه له، فيجب عليهم الأمر بإجراء فحص طبي بشكل تلقائي. هذا الحق هو أداة حاسمة لتوثيق أي اعتداء جسدي قد يتعرض له المحتجز.7
الحق في الاستعانة بمترجم
إذا كان الشخص المستمع إليه يتحدث لغة أو لهجة لا يتقنها ضابط الشرطة القضائية، أو كان أصماً أو أبكماً، فيتعين على الضابط الاستعانة بمترجم أو شخص يحسن التخاطب معه. ويتم تسجيل هوية المترجم في المحضر ويوقع عليه.1
حماية خاصة للأحداث
يولي القانون اهتماماً خاصاً للأحداث (الأطفال).
يجب إشعار ولي أمر الحدث أو وصيه أو كافله فور اتخاذ الإجراء في حقه.5
إذا كان الحدث يحمل آثار عنف ظاهرة أو اشتكى من تعرضه له، يجب على ممثل النيابة العامة، قبل استنطاقه، إحالته على فحص طبي.1
منح المشرع للمحامي الحق في حضور استجواب الأحداث الموضوعين تحت الحراسة النظرية.5
الفصل الخامس: حدود التفتيش
التفتيش هو إجراء ماس بالخصوصية، سواء تعلق الأمر بالشخص نفسه أو بمركبته أو منزله. لذلك، وضع القانون حدوداً وضوابط صارمة لممارسته، خاصة فيما يتعلق بحرمة المنازل.
التفتيش الجسدي
المبرر: يجوز لضابط الشرطة القضائية إخضاع كل شخص تم وضعه تحت الحراسة النظرية للتفتيش الجسدي. ويهدف هذا الإجراء إلى غرضين: أمني (للبحث عن أسلحة أو مواد خطرة) وقضائي (للبحث عن أدلة تتعلق بالجريمة).18
قاعدة خاصة بالنساء: لا تنتهك حرمة المرأة عند التفتيش. إذا تطلب الأمر إخضاعها لتفتيش جسدي، فيجب أن تقوم به امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لهذا الغرض، ما لم تكن الضابطة نفسها امرأة. هذه القاعدة تهدف إلى حماية كرامة وخصوصية النساء.1
تفتيش المركبات
يعتبر القانون سيارة المتهم الخاصة امتداداً له، ويجوز تفتيشها في الأحوال التي يجوز فيها القبض على الشخص وتفتيشه.18 وغالباً ما يتم هذا الإجراء في حالات الاشتباه في جرائم جمركية أو نقل بضائع ممنوعة.19
تفتيش المنازل
يعتبر القانون المنزل "حرمة"، ويمنحه أعلى درجات الحماية القانونية، ولا يمكن انتهاك هذه الحرمة إلا وفقاً لشروط صارمة للغاية.20
شرط الموافقة الصريحة: القاعدة الأساسية هي أنه لا يمكن دخول المنازل وتفتيشها دون موافقة صريحة من الشخص الذي ستجرى العملية بمنزله. ويجب أن تكون هذه الموافقة مكتوبة بخط يد المعني بالأمر. إذا كان لا يعرف الكتابة، يشار إلى ذلك في المحضر مع تدوين قبوله الشفهي.1
الأمر القضائي: في غياب الموافقة، لا يمكن إجراء التفتيش إلا بأمر كتابي من النيابة العامة.1
الحضور الإلزامي: يجب أن يتم التفتيش بحضور صاحب المنزل أو من يمثله. إذا تعذر ذلك، يجب على ضابط الشرطة استدعاء شاهدين من غير الموظفين الخاضعين لسلطته لحضور عملية التفتيش.1
القيود الزمنية الصارمة: لا يمكن الشروع في تفتيش المنازل قبل الساعة السادسة صباحاً وبعد الساعة التاسعة ليلاً.4
الاستثناءات على القيود الزمنية: لا تطبق هذه القاعدة في حالات محددة:
إذا طلب ذلك رب المنزل أو صدرت استغاثة من داخله.1
إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية وصدر إذن كتابي من النيابة العامة يسمح بالتفتيش خارج الوقت القانوني.1
إذا كان المكان محلاً يمارس فيه نشاط ليلي بصفة معتادة (مثل الفنادق أو المقاهي الليلية).1
إذا بدأت عملية التفتيش في وقت قانوني (قبل التاسعة ليلاً)، فيمكن مواصلتها دون توقف.20
إن القانون يضع عبء إثبات شرعية تفتيش المنزل (في غياب أمر قضائي) بالكامل على عاتق الدولة لإثبات وجود موافقة حرة وصريحة. وهذا يجعل رفض المواطن للتفتيش أقوى وسيلة دفاع قانونية له ضد أي تدخل غير مبرر. قد يشعر المواطن بالرهبة عند وجود الشرطة على بابه، لكن القانون يقف في صفه بقوة. بمجرد أن يقول المواطن بهدوء وحزم: "لا أوافق على التفتيش"، فإنه لا يعرقل العدالة، بل يمارس حقاً أساسياً. هذا الفعل البسيط ينقل العبء القانوني بالكامل إلى الشرطة. يجب عليهم حينها إما المغادرة، أو العودة بأمر قضائي، وهو ما يتطلب منهم تقديم أدلة ومبررات مقنعة للنيابة العامة. إن الامتناع عن الموافقة هو أقوى إجراء قانوني يمكن للمواطن اتخاذه لحماية حرمة منزله.
الفصل السادس: سبل الانتصاف: كيفية الإبلاغ عن الانتهاكات
إذا شعر المواطن بأن حقوقه قد انتُهكت، فإن القانون يوفر له قنوات رسمية لتقديم الشكاوى وطلب الإنصاف. إن اللجوء إلى هذه القنوات ليس فقط حقاً، بل هو أيضاً واجب مدني لضمان المساءلة وسيادة القانون.
توثيق الواقعة
التدوين الفوري: في أقرب وقت ممكن بعد الحادثة، يجب تدوين كل التفاصيل: التاريخ، الوقت، المكان، أسماء الضباط وأرقامهم المهنية، ما قيل وما حدث بالضبط.10
الشهود: إذا كان هناك شهود على الواقعة، يجب الحصول على أسمائهم ومعلومات الاتصال بهم.10
إثبات الضرر الجسدي: إذا تعرضت لأي أذى جسدي، فإن الخطوة الأكثر أهمية هي التوجه فوراً إلى طبيب للحصول على شهادة طبية توثق نوع الإصابات ومدتها. هذه الشهادة هي الدليل الأقوى في أي شكوى.7 كما يُنصح بالتقاط صور فوتوغرافية لأي إصابات ظاهرة.10
القنوات الرسمية لتقديم الشكاوى
النيابة العامة (وكيل الملك): هذه هي القناة القضائية الرئيسية والمباشرة. يمكن تقديم شكاية مكتوبة أو شفهية (حيث يتم تدوينها في محضر) إلى مكتب وكيل الملك لدى المحكمة المختصة.7 تتمتع النيابة العامة بسلطة مباشرة على الشرطة القضائية، ويمكنها فتح تحقيق في الشكوى.
البوابة الوطنية للشكايات (Chikaya.ma): هي بوابة حكومية رسمية (
www.chikaya.ma
) تمكن المواطنين من تقديم شكاياتهم ضد الإدارات العمومية، بما في ذلك الأجهزة الأمنية.23الإجراءات: يمكن تقديم الشكاية إلكترونياً عبر الموقع أو عبر الاتصال بمركز الاتصال على الرقم 3737.23
المدة الزمنية: تلتزم الإدارة المعنية بمعالجة الشكاية والرد عليها في أجل أقصاه 60 يوماً.23
المجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH): هو مؤسسة دستورية مستقلة تعمل على حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. يمكن للمواطنين اللجوء إليه لتقديم شكاوى حول انتهاكات حقوق الإنسان. يقوم المجلس بالتحقيق في هذه الشكاوى ويمكنه إصدار توصيات وتقديم الدعم للضحايا.25
الاستعانة بمحامٍ: يُنصح بشدة بالتشاور مع محامٍ، الذي يمكنه تقديم المشورة القانونية، وصياغة الشكاية بشكل دقيق، ومتابعتها عبر القنوات الصحيحة لضمان فعاليتها.7
على الرغم من وجود قنوات متعددة لتقديم الشكاوى، فإن لكل منها غرضاً استراتيجياً مختلفاً. الشكوى المقدمة إلى النيابة العامة تهدف إلى تحريك دعوى جنائية أو تأديبية ضد الضابط المسؤول، وهي المسار المباشر نحو المساءلة القانونية. أما الشكوى عبر بوابة "شكاية" فهي آلية للمساءلة الإدارية، وغالباً ما تكون نتيجتها تحقيقاً إدارياً أو إجراءً داخلياً. بينما يلعب المجلس الوطني لحقوق الإنسان دوراً رقابياً وحقوقياً، وقوته تكمن في التحقيق وإصدار التقارير والضغط العام من أجل الإصلاح. وبالتالي، فإن المواطن المطلع، بمساعدة محاميه، يمكنه اختيار القناة الأنسب حسب طبيعة الانتهاك والنتيجة المرجوة، بل ويمكنه سلوك عدة مسارات في آن واحد لتحقيق أقصى قدر من الفعالية: المسار القضائي عبر النيابة العامة لتحقيق العدالة، والمسار الإداري والحقوقي للضغط من أجل المساءلة والإصلاح.
خاتمة: التمكين من خلال المعرفة
إن معرفة حقوقك وواجباتك ليست دعوة للعداء مع أجهزة إنفاذ القانون، بل هي أساس لعلاقة متوازنة وصحية بين المواطن والدولة، قائمة على سيادة القانون.
خلاصة الحقوق الأساسية:
الحق في التزام الصمت: لا يمكن إجبارك على الكلام، وأي اعتراف بالإكراه باطل.
الحق في الإخبار: يجب إخبارك فوراً بسبب توقيفك والتهم الموجهة إليك.
الحق في محامٍ: لك الحق في الاتصال بمحامٍ عند تمديد الحراسة النظرية.
الحق في الرعاية الطبية: لك الحق في طلب فحص طبي، وهو إلزامي إذا ظهرت عليك آثار عنف.
حرمة المنزل: لا يمكن تفتيش منزلك دون موافقتك الصريحة أو أمر قضائي، ووفقاً لشروط زمنية صارمة.
توصيات أخيرة:
كن على دراية: المعرفة بالقانون هي خط دفاعك الأول.
حافظ على هدوئك: الهدوء يمنع تصعيد الموقف ويتيح لك التفكير بوضوح.
كن حازماً لا عدوانياً: طالب بحقوقك بوضوح واحترام.
وثّق كل شيء: في حال حدوث انتهاك، التوثيق هو أقوى أسلحتك.
اطلب المشورة القانونية: عند الشك، استشر محامياً دائماً.
إن فهم هذه الحقوق والإجراءات يمكّن المواطن من حماية نفسه، ويضمن في الوقت ذاته أن تعمل أجهزة إنفاذ القانون ضمن الحدود التي رسمها لها القانون، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر عدلاً وأماناً للجميع، يقوم على أسس من المساءلة والشفافية والاحترام المتبادل.
تعليقات
إرسال تعليق