ملخص مطول للمسطرة الجنائية المغربية مع السند القانوني
المسطرة الجنائية في المغرب هي مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الإجراءات الواجب اتباعها منذ وقوع الجريمة وحتى صدور حكم نهائي وتنفيذه، وذلك بهدف تحقيق العدالة الجنائية وحماية الحقوق والحريات الفردية. ينظم هذه المسطرة بشكل أساسي القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الصادر بالظهير الشريف رقم 1.02.255 بتاريخ 25 رجب 1423 (3 أكتوبر 2002)، والذي يُشار إليه اختصاراً بـ "ق.م.ج".
تتكون المسطرة الجنائية المغربية من عدة مراحل رئيسية ومتسلسلة:
1. مرحلة البحث التمهيدي (Phase Préliminaire)
تُعد هذه المرحلة هي نقطة الانطلاق في المسطرة الجنائية، وتهدف إلى التثبت من وقوع الجريمة وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها. تقوم بها أساساً الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة.
- السند القانوني: تنظم هذه المرحلة أساساً المواد من 18 إلى 82 من ق.م.ج.
- أنواع البحث التمهيدي:
- البحث في حالة التلبس بالجريمة: عندما تكتشف الجريمة أثناء ارتكابها أو بعد ارتكابها بوقت وجيز. يمنح القانون في هذه الحالة صلاحيات أوسع لضباط الشرطة القضائية (المواد 56 إلى 77 من ق.م.ج).
- البحث في الأحوال العادية: عندما لا تكون الجريمة في حالة تلبس، وتبدأ عادةً بناءً على شكاية أو وشاية أو تعليمات من النيابة العامة. تكون صلاحيات ضباط الشرطة القضائية في هذه الحالة أضيق (المواد 78 إلى 82 من ق.م.ج).
- الإجراءات الرئيسية:
- تلقي الشكايات والوشايات: تُعد الشرطة القضائية الجهة التي تتلقى البلاغات عن الجرائم.
- جمع الأدلة والقرائن: تفتيش الأماكن، حجز الأشياء المتعلقة بالجريمة، معاينة مسرح الجريمة.
- الاستماع إلى الضحايا والشهود والمشتبه فيهم: يتم تدوين أقوالهم في محاضر قانونية.
- الوضع تحت الحراسة النظرية: يمكن لضباط الشرطة القضائية وضع المشتبه فيه تحت الحراسة النظرية لمدة محددة (48 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة في الجنايات والجنح، و96 ساعة قابلة للتمديد مرتين في جرائم الإرهاب) بإذن من النيابة العامة، مع ضمان حقوقه كالاتصال بالمحامي والعائلة (المواد 66 و 80 من ق.م.ج).
- انتهاء البحث التمهيدي: يتم إحالة المحاضر المنجزة على النيابة العامة، التي تقرر بشأنها.
2. مرحلة التحقيق الإعدادي (Phase d'Instruction)
هي مرحلة وسطى تقع بين البحث التمهيدي والمحاكمة. تتميز هذه المرحلة بالطابع القضائي، حيث يتولاها قاضي التحقيق بصفته قاضياً مستقلاً عن سلطة الاتهام وعن سلطة الحكم. التحقيق الإعدادي إلزامي في الجنايات، واختياري في الجنح بناءً على طلب النيابة العامة أو المشتكي.
- السند القانوني: تنظم هذه المرحلة أساساً المواد من 83 إلى 275 من ق.م.ج.
- دور قاضي التحقيق:
- مراقبة المشروعية: يتأكد من قانونية إجراءات البحث التمهيدي.
- البحث عن الحقيقة: يقوم بجمع الأدلة سواء كانت لصالح المتهم أو ضده بشكل حيادي.
- إجراءات التحقيق: استنطاق المتهم (يجب أن يتم أول استنطاق بحضور محاميه)، الاستماع إلى الشهود، المواجهة، إجراء الخبرات، تفتيش المنازل، إصدار أوامر قضائية (كالأمر بالحضور، الأمر بالإحضار، الأمر بالإيداع في السجن، الأمر بإلقاء القبض).
- الاعتقال الاحتياطي: يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر بالاعتقال الاحتياطي للمتهم إذا توفرت شروطه القانونية وكان ضرورياً لسير التحقيق أو لمنع فرار المتهم أو تكرار الجريمة، مع ضرورة تعليل القرار (المادة 175 وما يليها من ق.م.ج).
- انتهاء التحقيق الإعدادي: يصدر قاضي التحقيق أحد الأوامر التالية:
- أمر بالإحالة: إذا تبين أن الأفعال تكون جناية أو جنحة، ويُحال المتهم على المحكمة المختصة.
- أمر بعدم المتابعة: إذا لم تتوفر أدلة كافية على ارتكاب الجريمة، أو إذا كان الفعل لا يشكل جريمة.
3. مرحلة المحاكمة (Phase de Jugement)
تُعد هذه المرحلة هي الأهم، حيث يتم الفصل في الاتهام الموجه إلى المتهم من طرف المحكمة المختصة. تتميز بضمانات المحاكمة العادلة مثل مبدأ العلنية والشفوية والحضورية ومبدأ قرينة البراءة.
- السند القانوني: تنظم هذه المرحلة أساساً المواد من 276 إلى 509 من ق.م.ج (المحاكمة أمام المحكمة الابتدائية، محكمة الاستئناف، محكمة النقض).
- المحاكم المختصة:
- المحاكم الابتدائية: تختص بالنظر في المخالفات والجنح.
- محاكم الاستئناف: تختص بالنظر في الجنايات وفي استئناف أحكام المحاكم الابتدائية.
- إجراءات المحاكمة:
- النيابة العامة: تمثل الحق العام وتقدم الاتهام وتطالب بتطبيق القانون.
- الدفاع: للمتهم الحق في الاستعانة بمحام للدفاع عنه.
- استنطاق المتهم وسماع الشهود: تستمع المحكمة إلى المتهم والشهود والضحايا، ويُمكن للمحامين والنيابة العامة طرح الأسئلة.
- المرافعات: تتبادل النيابة العامة والدفاع مرافعاتهم حول القضية.
- المداولة والنطق بالحكم: بعد انتهاء المرافعات، تختلي هيئة الحكم للمداولة سرا، ثم تنطق بالحكم علانية.
- أنواع الأحكام:
- البراءة: إذا ثبت عدم ارتكاب المتهم للجريمة أو عدم كفاية الأدلة.
- الإدانة: إذا ثبت ارتكاب المتهم للجريمة، ويصدر الحكم بالعقوبة المقررة قانوناً.
- عدم الاختصاص: إذا تبين أن المحكمة غير مختصة بالنظر في القضية.
4. طرق الطعن (Voies de Recours)
هي الوسائل القانونية التي يمنحها القانون للأطراف المتضررة من الأحكام القضائية من أجل مراجعتها أو إلغائها أو تعديلها.
- السند القانوني: تنظم طرق الطعن المواد من 394 إلى 509 من ق.م.ج.
- أنواع طرق الطعن:
- الطعن العادية:
- التعرض: يتيح للمحكوم عليه غيابياً أن يطعن في الحكم الصادر في غيبته ليعاد النظر في قضيته أمام نفس المحكمة (المادة 310 وما يليها من ق.م.ج).
- الاستئناف: يسمح للمحكوم عليه أو النيابة العامة أو الطرف المدني بالطعن في الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية أمام محكمة الاستئناف لتعاد محاكمة القضية من جديد من حيث الوقائع والقانون (المواد 394 إلى 465 من ق.م.ج).
- الطعون غير العادية:
- النقض: يوجه الطعن بالنقض إلى محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية في المغرب) ولا ينصب على الوقائع، بل على مدى تطبيق القانون وتأويله (المواد 466 إلى 509 من ق.م.ج). تراجع محكمة النقض مدى احترام المحاكم الدنيا للقانون.
- إعادة النظر: طعن استثنائي في الأحكام النهائية في حالات محددة قانوناً، مثل ظهور أدلة جديدة أو إدانة شخصين عن نفس الجريمة.
- الطعن العادية:
5. مرحلة تنفيذ العقوبة (Phase d'Exécution)
هي المرحلة الأخيرة في المسطرة الجنائية، وتتعلق بتطبيق وتنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة بالعقوبات.
- السند القانوني: تنظم هذه المرحلة أساساً المواد من 510 إلى 652 من ق.م.ج.
- الإجراءات:
- تنفيذ العقوبات السالبة للحرية: إيداع المحكوم عليه بالسجن في المؤسسات السجنية، وتطبيق القوانين المتعلقة بتنظيم السجون.
- تنفيذ العقوبات المالية: استخلاص الغرامات والمصاريف القضائية والتعويضات المدنية. يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني في حالة عدم أداء الغرامات أو المصاريف القضائية أو الرد أو التعويضات، وفق شروط ومحددات قانونية (المواد 636 إلى 646 من ق.م.ج).
- رد الاعتبار: إجراء قانوني يسمح للمحكوم عليه باسترجاع حقوقه ووضعه القانوني بعد تنفيذ العقوبة أو مرور مدة معينة، ويُزيل آثار الحكم الجنائي.
- وقف تنفيذ العقوبة: يمكن للمحكمة أن تقرر وقف تنفيذ العقوبة الحبسية في بعض الحالات، بشروط محددة (المادة 55 من القانون الجنائي).
مبادئ عامة للمسطرة الجنائية المغربية:
- قرينة البراءة: الأصل في الإنسان البراءة، ولا يُعتبر مذنباً إلا بعد صدور حكم قضائي نهائي بالإدانة.
- حقوق الدفاع: ضمان حق المتهم في محامٍ، في الاستماع إليه، في تقديم أدلته، وفي المواجهة مع الشهود.
- شرعية الجرائم والعقوبات: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني (مبدأ دستوري وقانوني).
- استقلالية القضاء: ضمان حيادية القضاة واستقلالهم في إصدار أحكامهم.
- علنية الجلسات وشفوية المرافعة: الأصل أن تكون الجلسات علنية وأن تكون المرافعات شفوية لضمان الشفافية.
إن قانون المسطرة الجنائية المغربي يُعرف تطورات مستمرة ليتلاءم مع المستجدات الوطنية والدولية، مع التركيز على تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وحماية حقوق الأفراد وتحديث آليات العدالة الجنائية.
المصادر والمراجع:
تعليقات
إرسال تعليق