القائمة الرئيسية

الصفحات

التقادم (La Prescription) في قانون الالتزامات والعقود المغربي

 

التقادم (La Prescription) في قانون الالتزامات والعقود المغربي

التقادم هو سبب من أسباب انقضاء الالتزامات، ويتحقق بمرور مدة زمنية يحددها القانون، يمتنع خلالها الدائن عن المطالبة بحقه، ويهمل استعماله. نتيجة لذلك، يفقد الدائن حقه في رفع الدعوى للمطالبة بذلك الالتزام أمام القضاء، وتبرأ ذمة المدين.

السند القانوني الرئيسي: تُنظم أحكام التقادم في ظهير الالتزامات والعقود المغربي (ظ.ل.ع)، تحديداً في الفصول 371 إلى 392.


1. مفهوم التقادم:

التقادم يقوم على فكرتين رئيسيتين:

  • قرينة الوفاء: يُفترض أن مرور مدة طويلة دون مطالبة يعني أن الدين قد تم الوفاء به أو أن الدائن قد تنازل عنه.
  • استقرار المعاملات: يُعتبر التقادم ضرورياً لضمان استقرار المراكز القانونية، حيث لا يمكن أن تبقى الديون معلقة ومحل مطالبة إلى الأبد، مما قد يؤدي إلى تراكم الأدلة وصعوبة إثبات الحقوق.

التقادم يسقط الدعوى لا الحق ذاته: من المهم الإشارة إلى أن التقادم في القانون المغربي يسقط "دعوى المطالبة بالحق" وليس "الحق" نفسه (المادة 371 من ظ.ل.ع). فإذا قام المدين بالوفاء بالدين بعد انقضاء مدة التقادم، فإن هذا الوفاء يعتبر صحيحاً، ولا يجوز له أن يطالب باسترداد ما دفعه بحجة أن الدين كان قد تقادم. وهذا ما يُعرف بالالتزام الطبيعي.


2. مدة التقادم:

يحدد ظهير الالتزامات والعقود فترات تقادم مختلفة حسب طبيعة الالتزام:

  1. المدة العامة للتقادم (المادة 387 من ظ.ل.ع):

    • 15 سنة (خمس عشرة سنة): هذه هي مدة التقادم الأصلية والعامة لجميع الالتزامات الشخصية ما لم ينص القانون صراحة على خلاف ذلك.
    • تبدأ هذه المدة من تاريخ حلول أجل الالتزام (أي من تاريخ استحقاق الدين).
  2. مدد التقادم الخاصة (المواد 388 إلى 392 من ظ.ل.ع):

    • هناك حالات يحدد فيها القانون مدداً أقصر للتقادم نظراً لطبيعة الالتزام أو صعوبة الاحتفاظ بالدلائل لفترة طويلة.
    • 5 سنوات (خمس سنوات): لبعض الديون الدورية والمستحقة على فترات، مثل أقساط الكراء، فوائد المبالغ المقترضة، الرواتب والأجور (المادة 388 من ظ.ل.ع).
    • سنتان (سنتان): لبعض ديون المهنيين والخدمات، مثل ديون الأطباء، الجراحين، الصيادلة، المحامين، المهندسين، وغيرهم (المادة 389 من ظ.ل.ع).
    • سنة واحدة (سنة واحدة): لبعض ديون التجارة والفنادق، مثل ديون الباعة للمؤن، وأصحاب الفنادق والمطاعم عن سكن وتقديم الطعام (المادة 390 من ظ.ل.ع).

3. سريان التقادم (بداية احتساب المدة):

  • يبدأ احتساب مدة التقادم من اليوم الذي يصبح فيه الدين مستحق الأداء، أي اليوم الذي يمكن فيه للدائن قانوناً أن يطالب بحقه (المادة 372 من ظ.ل.ع).
  • في حالة الالتزامات المعلقة على شرط واقف، لا يبدأ سريان التقادم إلا من تاريخ تحقق الشرط.
  • في حالة الضرر الناشئ عن فعل غير مشروع (مسؤولية تقصيرية)، يبدأ سريان التقادم من اليوم الذي علم فيه المتضرر بالضرر وبالشخص المسؤول عنه.

4. وقف التقادم وانقطاعه:

ظهير الالتزامات والعقود ينص على حالات يمكن فيها أن يتوقف سريان التقادم أو ينقطع:

  • وقف التقادم (Suspension):

    • هو توقف مؤقت لسريان مدة التقادم لأسباب يحددها القانون، بحيث لا تُحتسب المدة التي توقف فيها التقادم. وعند زوال سبب الوقف، تستأنف المدة سريانها من النقطة التي توقفت عندها.
    • أسباب الوقف (المادة 378 من ظ.ل.ع):
      • بين الزوجين.
      • بين الأب والابن.
      • بين القاصر أو المحجور عليه وبين وليه أو وصيه أو مقدمه.
      • في حال وجود مانع مادي أو قانوني يحول دون مطالبة الدائن بحقه.
  • انقطاع التقادم (Interruption):

    • هو إزالة لجميع المدة السابقة التي مضت من التقادم. عند انقطاع التقادم، تبدأ مدة تقادم جديدة كاملة من الصفر.
    • أسباب الانقطاع (المادة 381 من ظ.ل.ع):
      • مطالبة قضائية: رفع الدائن دعوى قضائية للمطالبة بحقه.
      • الإقرار بالدين: اعتراف المدين بحق الدائن بشكل صريح أو ضمني.
      • أي عمل يؤكد فيه المدين وجود الدين: مثل دفع قسط من الدين أو فوائده.
      • أي عمل يطالب فيه الدائن بحقه بشكل رسمي: مثل إنذار المدين بواسطة كتاب مضمون مع إشعار بالتوصل.

5. آثار التقادم:

  • سقوط دعوى المطالبة: الأثر الأهم للتقادم هو سقوط الحق في رفع الدعوى للمطالبة بالدين.
  • لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم تلقائياً: يجب على المدين أن يتمسك بالتقادم أمام القضاء لكي تأخذ به المحكمة. إذا لم يتمسك به، فإن المحكمة لا تثيره من تلقاء نفسها (المادة 371 من ظ.ل.ع).
  • الالتزام الطبيعي: يبقى الدين قائماً كالتزام طبيعي، أي أنه لا يمكن للدائن المطالبة به قضائياً، ولكن إذا قام المدين بالوفاء به طوعاً بعد التقادم، فإن دفعه صحيح ولا يجوز استرداده.

تعليقات