ملخص شامل لقانون المسطرة الجنائية المغربي (القانون رقم 22.01)
يعتبر قانون المسطرة الجنائية الإطار القانوني الذي ينظم كافة الإجراءات المتعلقة بالبحث في الجرائم ومتابعة مرتكبيها والتحقيق معهم ومحاكمتهم، وصولاً إلى تنفيذ العقوبات الصادرة في حقهم. يهدف هذا القانون إلى تحقيق توازن دقيق بين حماية أمن المجتمع ومكافحة الجريمة من جهة، وضمان حقوق وحريات الأفراد المشتبه فيهم والمتهمين من جهة أخرى.
الجزء الأول: المبادئ الأساسية والدعاوى الناشئة عن الجريمة
1. المبادئ الأساسية (المبادئ المؤطرة)
يقوم قانون المسطرة الجنائية على عدة مبادئ أساسية تضمن شروط المحاكمة العادلة:
قرينة البراءة: هي المبدأ الأساسي الذي يفترض أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته بموجب حكم قضائي نهائي ومكتسب لقوة الشيء المقضي به، بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات القانونية.
مبدأ الشرعية الإجرائية: لا يمكن متابعة أي شخص أو محاكمته إلا وفقاً للإجراءات التي ينص عليها القانون.
حقوق الدفاع: لكل مشتبه فيه أو متهم الحق في الاستعانة بمحامٍ في جميع مراحل الدعوى، والحق في الصمت، والحق في الاطلاع على ملف القضية.
عدم جواز محاكمة الشخص عن نفس الفعل مرتين: لا يمكن متابعة شخص ومحاكمته من أجل نفس الأفعال التي صدر بشأنها حكم نهائي.
2. الدعاوى الناشئة عن الجريمة
تنشأ عن كل جريمة دعويان أساسيتان:
الدعوى العمومية:
الهدف: تطبيق القانون الجنائي على المتهم باسم المجتمع.
الطرف الرئيسي: النيابة العامة هي التي تقيمها وتمارسها، فهي تمثل الحق العام.
أسباب الانقضاء: تنقضي الدعوى العمومية بعدة أسباب منها: وفاة المتهم، العفو الشامل، إلغاء القانون الجنائي، صدور حكم نهائي (قوة الشيء المقضي به)، التقادم، والصلح في حالات محددة قانوناً.
الدعوى المدنية التابعة:
الهدف: تمكين الضحية (المتضرر من الجريمة) من المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه.
كيفية الممارسة: يمكن للضحية أن يرفعها أمام المحكمة الجنائية (الزجرية) بالتوازي مع الدعوى العمومية، أو بشكل منفصل أمام المحكمة المدنية.
الجزء الثاني: مراحل المسطرة الجنائية
تمر القضية الجنائية عبر مراحل إجرائية متسلسلة ومنظمة.
المرحلة الأولى: البحث التمهيدي (مرحلة ما قبل المحاكمة)
هي المرحلة التي تلي وقوع الجريمة مباشرة، وتقوم بها الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة.
الإجراءات في البحث العادي: جمع الأدلة، الاستماع للشهود، تحرير المحاضر، إجراء المعاينات.
حالة التلبس: عندما تُكتشف الجريمة وهي ترتكب أو عقب ارتكابها، يمنح القانون لضباط الشرطة القضائية سلطات استثنائية (تفتيش المنازل، إلقاء القبض على المشتبه فيه) دون الحاجة لانتظار إذن النيابة العامة.
الوضع تحت الحراسة النظرية: إجراء استثنائي يتم بموجبه احتجاز المشتبه فيه لمدة محددة قانوناً (48 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة في الجنح، و96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة في الجنايات، مع مدد أطول في جرائم أمن الدولة والإرهاب). للمحتجز حقوق أساسية كإشعار عائلته، وطلب محامٍ، والخضوع لفحص طبي.
المرحلة الثانية: التحقيق الإعدادي
هو تحقيق قضائي معمق، وهو إلزامي في الجنايات واختياري في الجنح.
الجهة المسؤولة: قاضي التحقيق، وهو قاضٍ مستقل ومحايد، مهمته جمع الأدلة لصالح المتهم وضده، وتحديد ما إذا كانت الأدلة كافية لإحالة القضية إلى المحاكمة أم لا.
أهم الإجراءات: استنطاق المتهم، إجراء المواجهات، الاستماع للشهود، إجراء الخبرات، التفتيش، والأمر بإجراءات المراقبة القضائية أو الاعتقال الاحتياطي.
أوامر قاضي التحقيق: في نهاية التحقيق، يصدر قاضي التحقيق أحد الأمرين:
الأمر بعدم المتابعة: إذا كانت الأدلة غير كافية.
الأمر بالإحالة على المحكمة: إذا كانت الأدلة كافية، وتُرسل القضية إلى هيئة المحكمة المختصة لمحاكمتها.
المرحلة الثالثة: المحاكمة
هي المرحلة التي تعرض فيها القضية على هيئة قضائية للحكم فيها.
المحكمة المختصة: المحاكم الابتدائية (للجنح والمخالفات) أو غرف الجنايات بمحاكم الاستئناف (للجنايات).
سير الجلسة: تكون الجلسات علنية كقاعدة عامة. يتم خلالها التحقق من هوية المتهم، عرض الأدلة، استجواب المتهم، الاستماع للشهود والخبراء، وتقديم المرافعات الختامية من طرف النيابة العامة، الطرف المدني (الضحية)، ودفاع المتهم.
الحكم: بعد انتهاء المرافعات، تدخل الهيئة في مداولة سرية، ثم تصدر حكمها الذي يجب أن يكون معللاً (موضح الأسباب)، ويتم النطق به في جلسة علنية.
المرحلة الرابعة: طرق الطعن
هي الوسائل القانونية التي تتيح للأطراف الاعتراض على الأحكام الصادرة.
طرق الطعن العادية:
التعرض: يُمارس ضد الأحكام الصادرة غيابياً.
الاستئناف: يهدف إلى إعادة نشر القضية من جديد أمام محكمة أعلى درجة (محكمة الاستئناف) للنظر في الوقائع والقانون معاً.
طرق الطعن غير العادية:
النقض: يُرفع أمام محكمة النقض، وهي أعلى هيئة قضائية. لا تنظر في وقائع القضية، بل تراقب فقط مدى تطبيق المحاكم الأدنى درجة للقانون بشكل سليم.
إعادة النظر: طريق استثنائي جداً، يُمارس في حالات نادرة ومحددة حصراً (مثل ظهور أدلة جديدة حاسمة بعد صدور حكم نهائي بالإدانة).
خاتمة
يهدف قانون المسطرة الجنائية المغربي إلى إقامة العدالة من خلال نظام إجرائي متكامل يضمن كشف الحقيقة ومعاقبة المجرم، وفي نفس الوقت يوفر ضمانات قوية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، وعلى رأسها قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة.
تعليقات
إرسال تعليق