القائمة الرئيسية

الصفحات

التدليس في قانون الالتزامات والعقود المغربي

 

التدليس في قانون الالتزامات والعقود المغربي

يعتبر التدليس أحد عيوب الرضى الأساسية التي تؤثر على صحة العقود، حيث إنه يفسد إرادة أحد المتعاقدين ويجعله يقدم على التعاقد بناءً على وهم وخداع. وقد نظم المشرع المغربي أحكام التدليس بشكل دقيق في قانون الالتزامات والعقود، محدداً شروطه وآثاره القانونية.

1. تعريف التدليس (الفصل 52)

التدليس هو استعمال وسائل احتيالية أو حيل أو كتمان معلومات بقصد إيقاع المتعاقد الآخر في غلط يدفعه إلى التعاقد. بمعنى آخر، هو خداع متعمد ومشوب بسوء نية يصور للطرف الآخر أمراً على غير حقيقته، ولولا هذا الخداع لما أبرم العقد.

النص القانوني الأساسي هو الفصل 52 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على:

"التدليس يخول الإبطال، إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حداً بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر. ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالماً به."

2. شروط التدليس الموجب للإبطال

لكي يؤدي التدليس إلى إبطال العقد، يجب أن تتوفر الشروط التالية مجتمعة:

أ. استعمال وسائل احتيالية: يجب أن يلجأ المدلِّس إلى أساليب الخداع والتضليل. وقد أشار الفصل 52 إلى طريقتين على سبيل المثال لا الحصر:

  • الحيل (الوسائل الإيجابية): وهي كل فعل أو قول يهدف إلى خلق صورة وهمية لدى المتعاقد الآخر. مثل تقديم مستندات مزورة لإثبات جودة بضاعة، أو المبالغة الكاذبة في وصف مزايا عقار.

  • الكتمان (الوسيلة السلبية): الأصل أن مجرد السكوت لا يعتبر تدليساً، فلكل طرف الحرص على مصلحته. ولكن السكوت يصبح تدليساً إذا كان عن واقعة جوهرية ما كان للمتعاقد الآخر أن يتعاقد لو علم بها، وكان من الواجب على المدلِّس التصريح بها بمقتضى القانون أو طبيعة العقد أو قواعد حسن النية في التعامل (مثلاً، كتمان البائع أن العقار موضوع البيع مثقل بحق ارتفاق جسيم أو أنه صدر بشأنه قرار بنزع الملكية).

ب. أن تكون الوسائل الاحتيالية هي الدافع للتعاقد (التدليس الدافع): يجب أن يكون الخداع الذي مورس على المتعاقد حاسماً، أي أنه هو الذي دفعه إلى إبرام العقد. ولولا تلك الحيل أو ذلك الكتمان، لما وافق على التعاقد أصلاً. وهنا يجب التمييز بين:

  • التدليس الدافع: هو الذي يخول الحق في طلب إبطال العقد.

  • التدليس العارض: وهو الذي لا يدفع إلى التعاقد، بل يدفع فقط إلى القبول بشروط أشد (مثل قبول ثمن أعلى). هذا النوع لا يخول الإبطال، وإنما يمنح الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر فقط، وهذا ما نص عليه الفصل 53.

ج. صدور التدليس عن المتعاقد الآخر أو علمه به: القاعدة أن التدليس يجب أن يصدر من المتعاقد المستفيد أو نائبه. أما إذا صدر التدليس من شخص من الغير (أجنبي عن العقد)، فلا يمكن طلب الإبطال إلا في حالتين:

  1. إذا كان الغير يعمل بالتواطؤ مع المتعاقد المستفيد.

  2. إذا كان المتعاقد المستفيد على علم بالتدليس وسكت عنه واستفاد منه.

أما إذا كان المتعاقد المستفيد حسن النية ولا يعلم بتدليس الغير، فإن العقد يظل صحيحاً، ويمكن للطرف المدلَّس عليه فقط الرجوع بالتعويض على الغير الذي قام بالتدليس.

3. آثار التدليس

الأثر القانوني الرئيسي الذي يرتبه التدليس عند توفر شروطه هو تخويل المتعاقد الذي وقع ضحية له الحق في طلب إبطال العقد.

  • الإبطال النسبي: الحق في طلب الإبطال هو حق نسبي، مقرر فقط لمصلحة الطرف الذي تعرض للتدليس (المدلَّس عليه).

  • سقوط دعوى الإبطال: تسقط دعوى الإبطال بالتقادم بمرور سنة واحدة. ويبدأ سريان هذا الأجل من تاريخ اكتشاف التدليس (الفصل 311 و 312).

  • الإجازة: يمكن للمدلَّس عليه أن يجيز العقد بعد اكتشافه للتدليس، سواء بشكل صريح أو ضمني، وعندها يصبح العقد صحيحاً ومنتجاً لآثاره.

  • التعويض: بالإضافة إلى الحق في طلب إبطال العقد، يمكن للمدلَّس عليه أن يطالب بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة هذا التدليس، وذلك بناءً على قواعد المسؤولية التقصيرية.

باختصار، التدليس عيب خطير يضرب مبدأ حسن النية في المعاملات، ولذلك منحه المشرع جزاءً صارماً يتمثل في قابلية العقد للإبطال لحماية إرادة المتعاقد وحفظ استقرار المعاملات المبنية على الثقة والوضوح.

تعليقات