القائمة الرئيسية

الصفحات

مستجدات القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري في المغرب: تحليل شامل للآثار والإشكالات العملية

مستجدات القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري في المغرب: تحليل شامل للآثار والإشكالات العملية

مقدمة

يُعدّ العقار ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية وضمان السلم الاجتماعي في أي بلد، مما يستوجب توفير إطار قانوني متين يحمي الملكية العقارية ويسهم في استقرار المعاملات.1 في هذا السياق، يمثل القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 بتاريخ 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) 3، إصلاحاً جوهرياً لظهير التحفيظ العقاري الأصلي الصادر في 12 أغسطس 1913.5 جاء هذا التعديل بعد قرن تقريباً من تطبيق النظام القديم، مدفوعاً بتطور الملكية العقارية وتراكم الخبرات القضائية والإدارية في مجال التحفيظ.5

لقد أظهرت التجربة الطويلة للنظام القديم الحاجة الماسة إلى تحديث شامل، حيث قام القانون 14.07 بتغيير وتتميم 63 فصلاً وإلغاء 46 فصلاً من الظهير الأصلي.5 هذا التعديل العميق يعكس إدراك المشرع لضرورة استجابة المنظومة القانونية للتحديات المستجدة في القطاع العقاري. إن الأهداف الرئيسية للقانون 14.07 تمحورت حول تحديد المفاهيم وتحيين المصطلحات، تعميم التحفيظ العقاري، تبسيط الإجراءات وتسريعها، وتقوية الضمانات القانونية.6 كما سعى القانون إلى تدعيم سياسة تعميم نظام التحفيظ العقاري من خلال فتح مناطق للتحفيظ الإجباري 6، بهدف تحقيق استقرار أكبر للمعاملات العقارية وتفادي الأوضاع الشاذة والصعوبات التي كانت تعيق هذا القطاع.1

إن الجمع بين أهداف تبسيط الإجراءات وتسريعها من جهة، وتقوية الضمانات القانونية من جهة أخرى، يمثل تحدياً جوهرياً في أي إصلاح قانوني. فغالباً ما يؤدي التسريع إلى التضحية ببعض الضمانات، بينما تؤدي الضمانات القوية إلى إبطاء المسار. هذا التوازن الدقيق هو ما حاول القانون 14.07 تحقيقه، وهو ما سيتم تحليله في هذا التقرير من خلال استعراض أبرز مستجداته وآثاره العملية والإشكالات التي أفرزها تطبيقه.

الفصل الأول: الإطار المفاهيمي والتعديلات الجوهرية للقانون 14.07

يُعد القانون رقم 14.07 نقطة تحول في نظام التحفيظ العقاري المغربي، حيث أعاد صياغة العديد من المفاهيم والإجراءات ليتلاءم مع التطورات الراهنة.

تعريف التحفيظ العقاري في ظل القانون 14.07 وخصائصه

عرّف القانون 14.07 التحفيظ العقاري بأنه يهدف إلى إخضاع العقار المحفظ للنظام المقرر في هذا القانون بشكل دائم، بحيث لا يمكن إخراجه منه لاحقاً.3 ويُقصد به أيضاً:

  • تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة تطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري، وإبطال ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به.3

  • تقييد جميع التصرفات والوقائع التي تهدف إلى إنشاء، نقل، تغيير، إقرار، أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات العقارية على الرسم العقاري المؤسس.5

هذا التعريف الجديد، الذي يبدو أكثر شمولية من سابقه، يبرز بوضوح مبدأ "الأثر التطهيري" للتحفيظ، الذي يعني أن الرسم العقاري يُنشئ حقاً جديداً ومطهراً من جميع الحقوق السابقة غير المضمنة به.2 كما يؤكد على مبدأ "الأثر الإنشائي" للتقييد، حيث لا يكون للحق العيني حجية ضد المتعاقدين والغير إلا من تاريخ تقييده في السجل العقاري.7

الطبيعة الاختيارية والإجبارية للتحفيظ في القانون الجديد

حافظ القانون 14.07 على الطابع الاختياري للتحفيظ العقاري في المغرب، حيث ينص الفصل 6 على أن "التحفيظ أمر اختياري، غير أنه إذا قدم مطلب للتحفيظ فإنه لا يمكن سحبه مطلقا".3 ومع ذلك، استحدث القانون حالات يصبح فيها التحفيظ إجبارياً، وذلك في اتجاه تعميم النظام:

  • الحالات المنصوص عليها في قوانين خاصة.5

  • بموجب قرار من الوزير الوصي على الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (ANCFCC) بناءً على اقتراح مديرها.5 هذا المستجد يمنح السلطة التنفيذية آلية لفرض التحفيظ في مناطق محددة، مما يساهم في توسيع نطاق العقارات المحفظة بشكل استراتيجي.9

  • بأمر من المحاكم المختصة أثناء مسطرة الحجز العقاري.5

هذا التوسع في حالات التحفيظ الإجباري، ليشمل المجالين الحضري والقروي على حد سواء، يعكس رغبة المشرع في تعميم نظام التحفيظ العقاري لما يوفره من أمن قانوني وعقاري وقضائي.9

المستجدات المتعلقة بتقديم مطلب التحفيظ

يُعد مطلب التحفيظ نقطة الانطلاق لمسطرة التحفيظ، وقد جاء القانون 14.07 بمستجدات هامة بخصوص الأشخاص المخول لهم تقديمه، والبيانات الواجب تضمينها، والوثائق المطلوبة.

الأشخاص المخول لهم تقديم مطلب التحفيظ

حدد القانون 14.07 (الفصول 10، 11، 12) الأشخاص الذين يحق لهم تقديم مطلب التحفيظ حصراً، وهم:

  • المالك: سواء كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً.3

  • الشريك في الملك على الشياع: مع الاحتفاظ بحق الشفعة لشركائه، شريطة توفر الشروط اللازمة لذلك. ويُشترط وجوباً موافقة باقي الشركاء لتجنب التعسف، فلا يمكن لشريك واحد إجبار الباقين على التحفيظ.3

  • المتمتع بأحد الحقوق العينية التالية: حق الانتفاع، حق السطحية، الكراء الطويل الأمد، الزينة، الهواء والتعلية، والحبس.3

  • المتمتع بحق الارتفاق العقاري: بشرط الحصول على موافقة مالك العقار.5

  • الدائن: الذي لديه حكم قضائي صادر لصالحه بالحجز العقاري ضد مدينه (ويُرجح أن المقصود هو الحجز التنفيذي، نظراً لأن الحجز التحفظي لا يمنح حقاً عينياً مباشراً على العقار).5

  • النائب القانوني: عن المحجور أو القاصر.5

  • الوكيل: بموجب وكالة "صحيحة".5 هذا التعبير الجديد حل محل "الوكالة الخاصة" في النص القديم، مما قد يعني قبول الوكالة العامة، لكنه يثير تساؤلات حول معيار "الصحة" ويضع على المحافظ عبئاً إضافياً في التحقق من صلاحية الوكالة، مما قد يؤدي إلى صعوبات عملية وتأخيرات.5

البيانات الواجب تضمينها في مطلب التحفيظ

لضمان قبول مطلب التحفيظ، يجب أن يتضمن مجموعة من البيانات الإلزامية وفقاً للفصل 13 من القانون 14.07 5:

  • البيانات المتعلقة بطالب التحفيظ: الاسم الشخصي والعائلي، الصفة، محل الإقامة، الحالة المدنية، الجنسية، واسم الزوج والنظام المالي للزوجية إن وجد. وفي حالة الشياع، تُذكر نفس البيانات لكل شريك مع تحديد حصته. كما يجب تعيين عنوان أو موطن مختار داخل الدائرة الترابية للمحافظة العقارية إذا لم يكن لطالب التحفيظ محل إقامة بها، مع ذكر مراجع بطاقة التعريف الوطنية أو أي وثيقة تعريف أخرى.5 بالنسبة للأشخاص الاعتبارية، تُذكر تسميتها، شكلها القانوني، مقرها الاجتماعي، واسم ممثلها القانوني.5

  • البيانات المتعلقة بالعقار: وصف مكوناته (مباني، مغروسات، آبار)، موقعه، مساحته، حدوده، أسماء وعناوين المجاورين. يُشار إلى اسم العقار إن وجد، وحالة الحيازة (مباشرة أو عن طريق الغير، أو إذا تم انتزاعها). كما يجب ذكر القيمة التجارية للعقار وقت تقديم المطلب، والحقوق العينية والتحملات العقارية التي تثقله مع بيانات أصحابها.5

  • بيان أصل التملك: وهو أمر جوهري لإثبات الحق المدعى به.5

الوثائق الواجب تقديمها مع المطلب

يُلزم القانون 14.07 طالب التحفيظ بتقديم أصول أو نسخ رسمية للرسوم والعقود والوثائق التي من شأنها أن تعرف بحق الملكية وبالحقوق العينية المترتبة على الملك.3 وقد ألغى القانون الجديد المقتضى السابق الذي كان يُعفي طالب التحفيظ من تقديم الوثائق التي بحوزة الغير، وأصبح ملزماً بالبحث عنها وتقديمها.5 هذا التغيير يضع عبئاً أكبر على طالب التحفيظ، مما قد يسرّع الإجراءات من جانب المحافظة لكنه قد يواجه صعوبات عملية لدى بعض الملاك.5 وللمحافظ الحق في طلب ترجمة الوثائق المحررة بلغة أجنبية على نفقة طالب التحفيظ.3 وتلعب الوثائق العدلية دوراً حاسماً في إثبات أصل الملكية والحيازة والتصرف والتحبيس والإراثات والوصايا.12

جدول 1: مقارنة بين القانون القديم والقانون 14.07 في نقاط رئيسية

الميزة/الجانب

ظهير التحفيظ العقاري 1913 (قبل التعديل)

القانون رقم 14.07 (بعد التعديل)

تعريف التحفيظ

إخضاع العقار لأحكام الظهير 5

إخضاع العقار لنظام القانون 14.07 وتطهيره من الحقوق السابقة، وتقييد التصرفات اللاحقة 3

طبيعة التحفيظ

اختياري أساساً، مع حالات إجبارية محدودة

اختياري أساساً، لا يمكن سحب المطلب بعد تقديمه. توسيع حالات التحفيظ الإجباري لتشمل قرار الوزير المختص 3

الأشخاص المخول لهم تقديم المطلب

المالك، الشريك، أصحاب بعض الحقوق العينية، الدائن (بشروط)، النائب القانوني، الوكيل بوكالة خاصة 5

المالك، الشريك، أصحاب الحقوق العينية المحددة (انتفاع، سطحية، كراء طويل، زينة، هواء وتعلية، حبس)، حق الارتفاق (بموافقة المالك)، الدائن بحكم حجز تنفيذي، النائب القانوني، الوكيل بوكالة "صحيحة" (قد تشمل العامة) 3

الوكالة المطلوبة للوكيل

وكالة خاصة 10

وكالة "صحيحة" 5

الوثائق المطلوبة من طالب التحفيظ

تقديم الوثائق المتوفرة، والمحافظ يطلب من الغير ما لديهم 5

طالب التحفيظ ملزم بتقديم جميع الوثائق (أصول أو نسخ رسمية)، حتى لو كانت بحوزة الغير 3

دور المحافظ في جمع الوثائق

يطلب من الغير إيداع الوثائق 5

لا يطلب من الغير، والعبء على طالب التحفيظ 5

آجال الإشهار والتحديد

إعلان في الجريدة الرسمية يتضمن ملخص المطلب وتاريخ التحديد 5

نشر ملخص المطلب في الجريدة الرسمية خلال 10 أيام، ثم إرسال إعلان التحديد خلال شهرين 5

آجال التعرض العادي

من تاريخ تقديم المطلب حتى انتهاء أجل شهرين من نشر إعلان انتهاء التحديد 8

من تاريخ تقديم المطلب حتى انتهاء أجل شهرين من نشر إعلان انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية 8

آجال التعرض الاستثنائي

سلطة تقديرية للمحافظ ووكيل الدولة (سابقاً) 13

سلطة المحافظ وحده، بشروط محددة (لم يُحل الملف للمحكمة، تبيان أسباب التأخر، تقديم الوثائق، أداء الرسوم)، وقرار الرفض غير قابل للطعن 13

دور النيابة العامة في التعرض

إمكانية التدخل 8

غير إلزامي إلا بنص خاص (مثلاً في قضايا ناقصي الأهلية أو الدولة طرفاً) 8

الرقابة القضائية على قرارات المحافظ (قبول/رفض التعرض الاستثنائي)

المحاكم العادية 15

المحاكم الإدارية (لقرارات القبول). قرارات الرفض غير قابلة للطعن (موضع جدل دستوري) 13

الفصل الثاني: مستجدات التقييد الاحتياطي

يُعد التقييد الاحتياطي آلية حيوية في نظام التحفيظ العقاري، وقد أولاها القانون 14.07 اهتماماً خاصاً لتعزيز الأمن العقاري وحماية الحقوق.

مفهوم التقييد الاحتياطي وأهميته في حفظ الحقوق العينية

لم يُعطِ المشرع المغربي تعريفاً محدداً للتقييد الاحتياطي، تاركاً المجال للفقه والقضاء لتحديد مفهومه في ضوء الغاية منه.7 ويُفهم التقييد الاحتياطي بأنه تقييد عقاري مؤقت يهدف إلى الحفاظ على مركز قانوني متعلق بحق عيني على عقار محفظ، وذلك في انتظار تمكن المستفيد منه من التقييد النهائي، أو انقضائه لأحد الأسباب المحددة قانوناً.7

تتجلى أهمية التقييد الاحتياطي في كونه يُخفف من الحجية المطلقة التي يتمتع بها الغير حسن النية في اكتسابه لحق عيني عقاري وفقاً للبيانات الواردة في الرسم العقاري، وذلك عملاً بمبدأ الأثر الإنشائي للتقييد.7 هذا يعني أن التقييد الاحتياطي يُوفر حماية مؤقتة للحقوق، ويُمكن أن يتحول إلى تقييد نهائي بأثر رجعي من تاريخ التقييد الاحتياطي نفسه، بعد استكمال الشروط القانونية للعقد أو الحصول على اعتراف القضاء بالحق بموجب حكم قضائي نهائي.7

إن نظام التقييد الاحتياطي يعمل كشبكة أمان للمعاملات العقارية المتطورة. فالتوسع في حالات التقييد الاحتياطي ليشمل عقود البيع الابتدائية للعقارات في طور الإنجاز، والرهون المؤجلة، وحتى الإشعارات بالتصحيح الضريبي، يعكس جهداً تشريعياً لتكييف نظام التحفيظ مع تعقيدات المعاملات العقارية الحديثة والأدوات المالية المتنوعة.7 هذا التطور يشير إلى أن التقييد الاحتياطي ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو آلية حاسمة للتخفيف من المخاطر وتوفير اليقين القانوني المؤقت في الحالات الديناميكية التي يتعذر فيها التقييد النهائي الفوري، مما يعزز الثقة في التعاملات العقارية المتنوعة.

حالات التقييد الاحتياطي في ضوء الفصل 85 من القانون 14.07

حدد الفصل 85 من القانون 14.07 ثلاث حالات رئيسية للتقييد الاحتياطي 3:

  1. التقييد الاحتياطي بناءً على سند:

    يتم هذا التقييد بناءً على سند يُثبت حقاً على عقار، لكن المحافظ يتعذر عليه تقييده على حالته الراهنة (مثلاً لوجود نقص في الوثائق أو عيب شكلي).3 صلاحية هذا التقييد هي 10 أيام، يتم بعدها إلغاؤه تلقائياً إذا لم يتم استكمال التقييد النهائي للحق.7 يرى بعض الفقه، ومنهم المؤلف، أنه لا يوجد نص قانوني يمنع إعادة طلب التقييد الاحتياطي بنفس السند، حيث أن الجزاء الوحيد هو انتهاء الأجل، مما يفتح الباب أمام تجديد الطلب.7

  2. التقييد الاحتياطي بناءً على مقال افتتاحي لدعوى:

    يُمكن إجراء التقييد الاحتياطي بناءً على نسخة من مقال دعوى مرفوعة أمام القضاء، وذلك بهدف تمكين الاحتجاج بالدعوى ضد الغير.3 صلاحية هذا التقييد هي شهر واحد، ويمكن تمديدها بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية حتى صدور حكم نهائي في الدعوى.7 إذا صدر الحكم لصالح صاحب التقييد الاحتياطي، يتم تقييده نهائياً بأثر رجعي من تاريخ التقييد الاحتياطي.7 وقد قضت محكمة النقض بعدم رجعية تطبيق الفصل 86 من القانون 14.07 على التقييدات الاحتياطية التي تمت في ظل القانون القديم، التزاماً بمبدأ عدم رجعية القوانين.7

  3. التقييد الاحتياطي بناءً على أمر قضائي:

    يتم هذا التقييد بناءً على أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع العقار في دائرة نفوذها.3 صلاحيته 3 أشهر، ويُلغى تلقائياً إذا لم يتم التقييد النهائي للحق خلال هذه المدة.7 يمكن تمديد هذا الأجل بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية، شريطة رفع دعوى في الموضوع، ويظل التمديد سارياً حتى صدور حكم نهائي في الدعوى.7 يثار جدل حول تاريخ بدء سريان هذا الأجل، هل هو من تاريخ صدور الأمر القضائي أم من تاريخ تقييده في الرسم العقاري. ويرى بعض الفقه أن المنطق القانوني يقتضي بدء الأجل من تاريخ التقييد الاحتياطي، لأنه هو الذي يُحدث الأثر القانوني ويُحافظ على الرتبة.7

التقييدات الاحتياطية بناءً على نصوص خاصة

إضافة إلى الحالات العامة، نص المشرع على تقييدات احتياطية خاصة في نصوص تشريعية أخرى، تُراعي طبيعة هذه الحقوق 7:

  • الرهن الجبري (المادة 173 من مدونة الحقوق العينية): يمكن لرئيس المحكمة أن يأمر بتقييد احتياطي للرهن الجبري، ويبقى هذا التقييد سارياً حتى صدور حكم نهائي، دون أن يتقيد بأجل إلغاء محدد.7

  • الرهن المؤجل (المادة 185 من مدونة الحقوق العينية): يُمكن تأجيل تقييد الرهن الاتفاقي لمدة لا تتجاوز 90 يوماً دون فقدان الدائن لرتبته، ويُلغى هذا التقييد تلقائياً إذا لم يتم التقييد النهائي خلال الأجل.7

  • دعوى القسمة (المادة 316 من مدونة الحقوق العينية): لا تُقبل دعوى القسمة المتعلقة بعقار محفظ إلا إذا تم تقييدها احتياطياً. ويبقى هذا التقييد سارياً حتى صدور حكم نهائي في الدعوى، كاستثناء من القاعدة العامة.7 هناك مقترح قانوني لتعديل المادة 613 من مدونة الحقوق العينية لربط أجل التقييد الاحتياطي لدعوى القسمة بصدور الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به، مما يعكس جهداً لتثبيت الممارسة القضائية وتوضيح العلاقة بين مدونة الحقوق العينية وقانون التحفيظ.19

  • مشروع مقرر التخلي (المادة 25 من قانون نزع الملكية): يظل هذا التقييد سارياً حتى تقييد عقد أو حكم نزع الملكية للمنفعة العامة.7

  • عقد البيع الابتدائي لعقار في طور الإنجاز (المادة 618/10 من قانون الالتزامات والعقود): يُمكن للمشتري طلب تقييد احتياطي على الرسم العقاري الأصلي، ويبقى هذا التقييد سارياً حتى تسجيل عقد البيع النهائي.7

  • عزم المؤسسة المبادرة إلى ديونها الرهنية من الدرجة الأولى (المادة 24 من قانون توريق الديون الرهنية): يبقى هذا التقييد سارياً حتى تاريخ تقييد نقل الديون الرهنية لصالح صندوق التوظيف الجماعي للتوريق.7

  • الإعلام بالتصحيح الضريبي (المادة 115 من القانون 97/15): يثير هذا التقييد جدلاً فقهياً حول طبيعته، حيث يرى البعض أنه يتعلق بحق شخصي (دين ضريبي) لا بحق عيني، وبالتالي لا يُمكن أن يستفيد من المزايا القانونية الممنوحة لأصحاب الحقوق العينية.7

  • عقد الإيجار المفضي للتملك (المادة 5 من القانون 51.00): يُمكن للمستفيد من عقد الإيجار المفضي للتملك طلب تقييد احتياطي لحماية حقوقه المؤقتة، ويبقى سارياً حتى تسجيل عقد البيع النهائي.7

إن النقاشات الفقهية والقضائية حول تفسير وتطبيق هذه المقتضيات، مثل مسألة عدم رجعية الفصل 86 وتحديد تاريخ بدء سريان آجال التقييد الاحتياطي، تُبرز الدور المحوري للاجتهاد القضائي في توضيح الغموض التشريعي. هذا التفاعل المستمر بين النص القانوني والتطبيق القضائي يُشكل عنصراً حاسماً في تطور النظام القانوني العقاري، حيث يُسهم في سد الثغرات وتوحيد الممارسة، وقد يُشير في بعض الأحيان إلى الحاجة لمزيد من التدخل التشريعي لمعالجة الإشكالات المستجدة.

جدول 2: أنواع التقييد الاحتياطي وآجالها القانونية

نوع التقييد الاحتياطي

الأساس القانوني (الفصل/المادة)

مدة الصلاحية

ملاحظات هامة

بناءً على سند

الفصل 85 من القانون 14.07 7

10 أيام 7

يُلغى تلقائياً بعد الأجل إذا لم يتم التقييد النهائي. جدل حول إمكانية تجديد الطلب.7

بناءً على مقال افتتاحي لدعوى

الفصل 85 و 86 من القانون 14.07 7

شهر واحد 7

يمكن تمديده بأمر قضائي حتى صدور حكم نهائي. محكمة النقض قضت بعدم رجعية تطبيق الفصل 86 على التقييدات القديمة.7

بناءً على أمر قضائي

الفصل 85 و 86 من القانون 14.07 7

3 أشهر 7

يمكن تمديده بأمر قضائي بعد رفع دعوى في الموضوع حتى صدور حكم نهائي. جدل حول بدء سريان الأجل (من تاريخ الأمر أم التقييد).7

الرهن الجبري

المادة 173 من مدونة الحقوق العينية 7

حتى صدور حكم نهائي 7

لا يتقيد بأجل إلغاء محدد.7

الرهن المؤجل

المادة 185 من مدونة الحقوق العينية 7

90 يوماً 7

يُلغى تلقائياً إذا لم يتم التقييد النهائي.7

دعوى القسمة

المادة 316 من مدونة الحقوق العينية 7

حتى صدور حكم نهائي 7

شرط لقبول الدعوى المتعلقة بعقار محفظ. مقترح لتعديل المادة 613 لربط الأجل بصدور الحكم النهائي.19

مشروع مقرر التخلي (نزع الملكية)

المادة 25 من قانون نزع الملكية 7

حتى تقييد عقد أو حكم نزع الملكية 7

إجراء احترازي لتأمين الحق والإعلان عنه للغير.7

عقد البيع الابتدائي لعقار في طور الإنجاز

المادة 618/10 من قانون الالتزامات والعقود 7

حتى تسجيل عقد البيع النهائي 7

يهدف لحماية المشترين.7

عزم المؤسسة المبادرة إلى ديونها الرهنية من الدرجة الأولى

المادة 24 من قانون توريق الديون الرهنية 7

حتى تاريخ تقييد نقل الديون الرهنية 7

يضمن الرتبة بأثر رجعي.7

الإعلام بالتصحيح الضريبي

المادة 115 من القانون 97/15 7

غير محدد

جدل حول طبيعته كحق شخصي وليس عيني.7

عقد الإيجار المفضي للتملك

المادة 5 من القانون 51.00 7

حتى تسجيل عقد البيع النهائي 7

لحماية حق المكتري المالك.7

الفصل الثالث: نظام التعرضات في ضوء القانون 14.07

يُعد نظام التعرضات من أهم آليات حماية الحقوق في مسطرة التحفيظ العقاري، وقد جاء القانون 14.07 بتعديلات جوهرية في هذا المجال، أثرت على مفهوم التعرض وإجراءاته والرقابة عليه.

مفهوم التعرض ودوره في مسطرة التطهير

يُعرف التعرض بأنه مطالبة يقدمها الغير ضد طالب التحفيظ، ينازع فيها في وجود حق الملكية لطالب التحفيظ، أو في مدى هذا الحق، أو في حدود العقار المطلوب تحفيظه، أو يدعي استحقاق حق عيني قابل للتقييد على العقار.8 يُعد التعرض وسيلة قانونية فعالة تهدف إلى وقف إجراءات التحفيظ من قبل المحافظ مؤقتاً، إلى حين حل النزاع القائم بشأنه، سواء عن طريق القضاء أو بالتراضي بين الأطراف.8

يقتصر حق التعرض على أصحاب الحقوق العينية، فلا يُمكن لشخص يدعي حقاً شخصياً على العقار، كالمكتري مثلاً، أن يحمي حقه بتقديم تعرض على مطلب التحفيظ.13 وقد وسّع الفصل 24 من القانون 14.07 نطاق التعرض ليشمل أيضاً المنازعة في حق وقع الإعلان عنه طبقاً للفصل 84 من نفس القانون، والذي يتعلق بإيداع السندات التي تُنشئ حقوقاً على العقار خلال مرحلة التحفيظ.10

أنواع التعرضات: التعرض العادي والتعرض الاستثنائي

حدد المشرع المغربي في القانون 14.07 نوعين من آجال التعرض 13:

  1. التعرض العادي:

    يُقدم التعرض العادي من تاريخ إيداع مطلب التحفيظ وحتى انصرام أجل شهرين من تاريخ نشر إعلان انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية.8 يُمكن تقديم هذا التعرض كتابة أو شفهياً لدى المحافظة العقارية المختصة، أو لدى المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب أثناء عملية التحديد.8 ويجب على المتعرض أن يُرفق طلبه بجميع الحجج والوثائق المؤيدة لتعرضه، وأن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يُثبت حصوله على المساعدة القضائية.8

  2. التعرض الاستثنائي:

    يُمكن قبول التعرض الاستثنائي بعد انصرام الأجل العادي، وذلك بقرار من المحافظ العقاري وحده، حتى لو لم يكن مطلب التحفيظ مثقلاً بتعرضات سابقة.8 ويُشترط لقبول هذا التعرض ألا يكون ملف مطلب التحفيظ قد أُحيل على المحكمة الابتدائية للبت في التعرضات.8

شروط قبول التعرض الاستثنائي (الفصل 29)

لضمان قبول التعرض الاستثنائي من قبل المحافظ العقاري، يجب توفر أربعة شروط أساسية نص عليها الفصل 29 من القانون 14.07 13:

  1. ألا يكون المحافظ قد أحال الملف على المحكمة الابتدائية: تُعد هذه النقطة حاسمة، فبمجرد إحالة الملف إلى القضاء للبت في التعرضات، يفقد المحافظ صلاحيته في قبول أي تعرضات جديدة خارج الأجل.13 ومع ذلك، يثير هذا الشرط إشكالية عملية في حال عادت الملفات إلى المحافظ بعد صدور أحكام قضائية نهائية، حيث يرى بعض الفقه أن المحافظ يجب أن يظل قادراً على قبول تعرضات جديدة إذا توفرت الشروط، وهو ما أيدته بعض الأحكام القضائية الإدارية.13

  2. أن يُدلي المتعرض للمحافظ بوثائق تُبيّن الأسباب التي منعته من تقديم تعرضه داخل الأجل: يجب أن تكون هذه الأسباب قاهرة أو مبررة، مثل ظروف القوة القاهرة أو المرض أو الغياب الطويل.13 وتخضع هذه الأسباب للسلطة التقديرية للمحافظ، لكنها يجب أن تكون مدعومة بوثائق.13 وقد تباينت الأحكام القضائية في تقدير هذه الأسباب، حيث اعتبرت بعض المحاكم أن مجرد الإقامة أو العمل خارج منطقة العقار لا يُعد سبباً قاهراً.13

  3. أن يُدلي المتعرض للمحافظ بالعقود والوثائق المدعمة لتعرضه: يجب أن تكون الحجج والوثائق المقدمة جدية وكافية لإثبات الحق المدعى به.13 وقد منح المشرع المحافظ سلطة تقديرية واسعة في تقييم هذه الوثائق، وهو ما يُعتبر من اختصاص القضاء أصلاً.13

  4. أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يُثبت حصوله على المساعدة القضائية: تُعتبر رسوم التعرض زهيدة نسبياً (لا تتجاوز 500 درهم للتعرضات الجزئية) 13، مما يقلل من احتمالية أن يُشكل هذا الشرط عائقاً أمام المتعرضين.13

جدول 3: شروط قبول التعرض الاستثنائي

الشرط

التفصيل

الأساس القانوني

1. عدم إحالة الملف على المحكمة

يجب ألا يكون ملف مطلب التحفيظ قد أُحيل إلى المحكمة الابتدائية للبت في التعرضات السابقة.13

الفصل 29 من القانون 14.07

2. تبيان أسباب التأخر

يجب على المتعرض تقديم وثائق تُوضح الأسباب القاهرة أو المبررة التي منعته من تقديم تعرضه خلال الأجل العادي.13

الفصل 29 من القانون 14.07

3. تقديم الوثائق المدعمة

يجب على المتعرض إرفاق طلبه بالعقود والوثائق التي تُثبت جديته وتدعم حقه المدعى به.13

الفصل 29 من القانون 14.07

4. أداء الرسوم القضائية

يجب على المتعرض دفع الرسوم القضائية وحقوق المرافعة، أو إثبات حصوله على المساعدة القضائية.13

الفصل 29 من القانون 14.07

دور المحافظ العقاري في البت في التعرضات والرقابة القضائية عليها

للمحافظ العقاري سلطة تقديرية في البت في التعرضات، سواء بالقبول أو الرفض أو الإلغاء، وتخضع بعض قراراته لرقابة قضائية.

إلغاء التعرض لعدم تقديم الحجج والوثائق (الفصل 32)

يُلزم الفصل 32 من القانون 14.07 المتعرض بتقديم الحجج والوثائق المؤيدة لتعرضه قبل نهاية الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض.8 ومن المستجدات الهامة التي جاء بها القانون 14.07 أنه لم يعد المحافظ ملزماً بإنذار المتعرض بإيداع الوثائق، خلافاً لما كان عليه الوضع في ظل الظهير القديم.8 هذا التعديل يهدف إلى تسريع المسطرة، لكنه قد يُضر بمصالح المتعرضين غير المطلعين على القانون.8 وتقتصر سلطة المحافظ هنا على التحقق من وجود الوثائق، دون التوغل في تقييم قوتها الإثباتية، التي تُعد من اختصاص المحكمة.8 قرار المحافظ بإلغاء التعرض لعدم تقديم الحجج قابل للطعن أمام المحكمة الابتدائية خلال 15 يوماً، ويكون حكم المحكمة في هذا الشأن نهائياً وغير قابل لأي طعن آخر.8

إلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية (الفصل 32)

للمحافظ العقاري الحق في إلغاء التعرض إذا لم يتم أداء الرسوم القضائية وحقوق المرافعة خلال ثلاثة أشهر من تاريخ التبليغ.8 هذا المقتضى أثار انتقادات واسعة من قبل الفقه، حيث يُعتبر قاسياً ويُمكن أن يحرم المتعرض من حقه في الوصول إلى العدالة، خاصة إذا كان معوزاً أو غير مطلع على إجراءات المساعدة القضائية.8

الرقابة القضائية على قرارات المحافظ المتعلقة بالتعرض الاستثنائي

  • قرارات قبول التعرض الاستثنائي: تخضع هذه القرارات لرقابة القضاء الإداري (المحاكم الإدارية) من حيث المشروعية. ويجب على المحافظ أن يُعلل قراره بقبول التعرض الاستثنائي، وإلا اعتُبر قراره تعسفاً في استعمال السلطة وقابلاً للإلغاء من قبل القضاء الإداري.13 هذا يتوافق مع مبدأ إلزام الإدارة بتعليل قراراتها السلبية.13

  • قرارات رفض التعرض الاستثنائي: ينص الفصل 29 من القانون 14.07 صراحة على أن قرار المحافظ برفض التعرض المقدم خارج الأجل "لا يقبل أي طعن قضائي".8 هذا التحصين القانوني يُشكل إشكالاً دستورياً كبيراً، حيث يتعارض بشكل مباشر مع الفصل 118 من دستور 2011 الذي يُؤكد على حق التقاضي ويجعل جميع القرارات الإدارية قابلة للطعن أمام القضاء الإداري.13 إن هذا التناقض بين النص التشريعي الأعلى (الدستور) والنص القانوني الأدنى (قانون التحفيظ العقاري) قد دفع بالاجتهاد القضائي إلى تحدي هذا التحصين، حيث بدأت بعض المحاكم الإدارية ومحكمة النقض في تأكيد قابلية هذه القرارات للطعن، في خطوة تُعزز مبدأ سمو الدستور والرقابة القضائية على أعمال الإدارة.13 هذا التطور القضائي يُشير إلى تزايد حزم القضاء في تفسير القوانين في ضوء الضمانات الدستورية، مما يُمكن أن يُفضي إلى نظام أكثر قوة للمساءلة الإدارية.

التعرضات الكيدية وآثارها القانونية (الفصل 48)

لمواجهة التعسف في استعمال حق التعرض، نص الفصل 48 من القانون 14.07 على فرض غرامة لا تقل عن 10% من قيمة العقار أو الحق العيني المطالب به على كل من يقدم مطلب تحفيظ أو تعرضاً عليه بسوء نية أو تعسف، دون الإخلال بحق المتضرر في المطالبة بالتعويض.8 يثير هذا الفصل جدلاً حول طبيعة الغرامة، هل هي مدنية أم جنائية، لكن الرأي الغالب أنها غرامة مدنية تُفرض من قبل المحكمة المدنية.8

على الرغم من أهمية هذا النص في ردع التعرضات الكيدية التي تُعيق مسطرة التحفيظ وتُؤثر سلباً على الاستثمار العقاري 21، إلا أن الواقع العملي يُظهر أن تفعيل هذا الفصل من قبل القضاء نادر جداً. فغالباً ما تكتفي المحاكم بإبطال التعرض دون فرض الغرامة، حتى وإن كانت الأدلة تُشير إلى سوء نية المتعرض.8 هذا النقص في تفعيل النص يُضعف من أثره الردعي، ويُمكن أن يُسهم في استمرار ظاهرة التعرضات الكيدية، مما يُعيق تحقيق أهداف القانون في تبسيط وتسريع الإجراءات.8 إن عدم تفعيل هذا النص يُبرز فجوة بين القصد التشريعي والتطبيق القضائي، مما يستدعي إما توجيهات قضائية أو تعديلات تشريعية لتعزيز فعاليته.

إشكالات عملية في تطبيق نظام التعرضات

يواجه تطبيق نظام التعرضات في القانون 14.07 عدة إشكالات عملية، منها:

  • تأخر البت في الملفات: على الرغم من الأهداف المعلنة لتبسيط وتسريع الإجراءات، لا يزال هناك تأخر في إحالة ملفات التعرض إلى المحكمة من قبل المحافظ، وتأخر في البت فيها قضائياً.13

  • التعرضات اللاحقة على الإيداعات بموجب الفصل 84: يُثار تساؤل حول كيفية التعامل مع التعرضات التي تُقدم بعد انصرام الأجل القانوني للتعرض العادي، لكنها تتعلق بحقوق تم إيداعها بموجب الفصل 84 (إيداع السندات).8

  • تعدد التعرضات وتغير قرارات المحافظين: قد تُقدم عدة تعرضات على نفس مطلب التحفيظ، وقد تختلف قرارات المحافظين بشأن قبول أو رفض التعرضات الاستثنائية بتغير المسؤولين، مما يُحدث عدم استقرار في الممارسة.13

  • تضارب الاجتهادات القضائية: لا تزال هناك تضاربات في الاجتهادات القضائية حول بعض النقاط المتعلقة بالتعرضات، مما يُعيق توحيد العمل القضائي.13

  • تأثير التعسف على الاستثمار: يُشكل التعسف في استعمال حق التعرض عائقاً أمام الاستثمار العقاري، حيث يُطيل من أمد مسطرة التحفيظ ويُعيق استقرار المعاملات.21

الفصل الرابع: الدور القضائي والإداري في مسطرة التحفيظ

يُعد نظام التحفيظ العقاري في المغرب منظومة معقدة تتداخل فيها الأدوار القضائية والإدارية، وقد جاء القانون 14.07 ليعيد تنظيم هذه الأدوار ويُحدد الاختصاصات بشكل أكثر وضوحاً.

اختصاص القضاء في قضايا التحفيظ العقاري

يختص قضاء التحفيظ العقاري بالنظر في التعرضات على الحقوق القابلة للتحفيظ، وهي أساساً حق الملكية والحقوق العينية، بالإضافة إلى الدعاوى العقارية المتعلقة بها مثل دعاوى الاستحقاق، الزور العارض، وحق الشفعة.14 تنشأ المرحلة القضائية في مسطرة التحفيظ عند حدوث نزاعات بين طالب التحفيظ والمتعرضين، أو بين هؤلاء والمحافظ.14

وتتمثل الحالات التي يبت فيها القضاء في:

  • الطعن في قرار المحافظ المتضمن رفض التحفيظ.14

  • الطعن في قرار المحافظ المتضمن اعتبار التعرض لاغياً.14

  • البت في التعرضات المستوفية لشروطها القانونية.14

من التغييرات الجوهرية التي أحدثها القانون 14.07 في هذا الصدد، تحويل الاختصاص الأصيل في الطعون ضد قرارات المحافظ المتعلقة بقبول أو رفض التعرضات من المحاكم العادية إلى المحاكم الإدارية.15 هذا التغيير يهدف إلى تخصص القضاء في الرقابة على القرارات الإدارية للمحافظ، لكنه في الوقت نفسه يُبرز تحدياً يتمثل في غياب محاكم عقارية متخصصة تتولى جميع جوانب النزاعات العقارية، مما قد يُؤدي إلى تشتت الاختصاصات وإطالة أمد التقاضي.8 إن هذا التشتت في الاختصاصات يُمكن أن يُعيق تحقيق الفعالية القضائية ويُصعّب على المتقاضين فهم المسار القانوني الصحيح لدعواهم، مما يُؤثر سلباً على إمكانية الوصول إلى العدالة وتحقيق الأمن العقاري.

دور قاضي التحفيظ والنيابة العامة في دعاوى التعرضات

دور قاضي التحفيظ (القاضي المقرر)

تبدأ المرحلة القضائية للتحفيظ فور إحالة ملف مطلب التحفيظ من المحافظ العقاري إلى المحكمة الابتدائية المختصة.8 يقوم رئيس المحكمة بتعيين قاضٍ مقرر يتولى مهمة تحضير القضية للحكم واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لذلك.8 يشمل دوره دراسة ملف النزاع بدقة، تحديد طبيعته وموضوعه، استدعاء الأطراف لسماع أقوالهم، طلب الوثائق الناقصة أو غير الواضحة، سماع الشهود، والانتقال إلى عين المكان لإجراء المعاينة وتحديد الحدود المتنازع عليها بدقة.8 بعد استكمال جميع هذه الإجراءات وجمع المعلومات اللازمة، يُعد القاضي المقرر تقريراً شاملاً ويُحيل الملف على المحكمة للبت فيه.8

دور النيابة العامة

لا يُعد حضور النيابة العامة وإخطارها في قضايا التحفيظ العقاري إلزامياً بصفة عامة، إلا في الحالات التي ينص فيها القانون على ذلك صراحة، كالقضايا المتعلقة بالأشخاص ناقصي الأهلية أو في الحالات التي تكون فيها الدولة طرفاً في النزاع.8 ويُشكل عدم إخطار النيابة العامة في الحالات الواجبة عيباً شكلياً يُمكن أن يُؤدي إلى بطلان الحكم الصادر في الدعوى.8 في حال تدخلها، تُعتبر النيابة العامة طرفاً مدعياً، ويقع عليها عبء إثبات ما تدعيه، تماماً كباقي المتعرضين.8

الرقابة القضائية على قرارات المحافظ العقاري

تخضع قرارات المحافظ العقاري لرقابة قضائية متفاوتة الشدة:

  • قرارات رفض مطلب التحفيظ: يُمكن الطعن في قرار المحافظ برفض مطلب التحفيظ أمام المحكمة الابتدائية، ثم بالاستئناف والنقض.5

  • الأحكام القضائية في مادة التحفيظ: لا تقبل الأحكام الصادرة في مادة التحفيظ العقاري الطعن إلا بالاستئناف والنقض، وفقاً للفصل 109 من القانون 14.07.18 ولا تُنفذ هذه الأحكام على الرسوم العقارية إلا بعد أن تُصبح نهائية وحائزة لقوة الشيء المقضي به.1

  • الرسم العقاري: يُعتبر الرسم العقاري نهائياً ولا يقبل الطعن، ويُشكل نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت تحفيظه، دون ما عداها من الحقوق غير المقيدة (الفصل 62).2 هذا المبدأ يُرسخ الأمن القانوني للعقار المحفظ.

مهام واختصاصات الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (ANCFCC) في ظل القانون 14.07

تُعد الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (ANCFCC) مؤسسة عمومية محورية في نظام التحفيظ العقاري المغربي، أُحدثت بموجب القانون 58.00.24 وتُمارس الوكالة، لحساب الدولة، الاختصاصات المخولة للسلطة العمومية في ميادين التحفيظ العقاري والمسح العقاري والخرائطية.24

تشمل مهامها الرئيسية:

  • على مستوى المحافظة العقارية: تحفيظ الأملاك العقارية، إشهار وحفظ الحقوق العينية والتحملات العقارية على الأملاك المحفظة أو التي في طور التحفيظ، حفظ الربائد والوثائق العقارية، وتزويد العموم بالمعلومات المضمنة بها.24 كما تتولى إصدار الشهادات والوثائق مثل شهادات الملكية وشهادات تقييد الرهن.26

  • على مستوى المسح العقاري: إنجاز تصاميم المسح العقاري في إطار التحفيظ، إنجاز وحفظ وثائق المسح الوطني، إنجاز ومراجعة الخريطة الطبوغرافية للمملكة بجميع مقاييسها، إنجاز أشغال البنية التحتية المتعلقة بالشبكة الجيوديزية وقياس الارتفاع، تنسيق وتجميع وحفظ الوثائق الطبوغرافية والفوطغرامترية المنجزة من طرف الإدارات، وجمع وحفظ المعلومات المتعلقة بالأراضي العارية المملوكة للدولة والجماعات السلالية وغيرها.24

  • كما تتولى الوكالة إيداع الملفات التقنية والتقييدات بالرسوم العقارية 24، وتحصيل الوجيبات والرسوم المتعلقة بإجراءات التحفيظ.30

التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة بها (الرقمنة): الإنجازات والتحديات

سمح القانون 14.07 للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية بتأسيس مطالب التحفيظ والرسوم العقارية ونظائرها والسجلات بطرق إلكترونية، وذلك وفق الشروط والشكليات المحددة في نص تنظيمي.32 وقد اعتمدت الوكالة النظام المعلوماتي في تقديم خدماتها بهدف تبسيط المساطر، خلق ديناميكية داخل مصالحها، وتنزيل توصيات النموذج التنموي الجديد، بالإضافة إلى الاستجابة لمتطلبات الظروف المستجدة مثل جائحة كورونا.32

يشمل التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة بها مجموعة واسعة من الإجراءات، منها: استقبال مطالب التحفيظ والتعرضات، تأسيس الرسوم العقارية ونظائرها، إشهار الحقوق العينية والتحملات، طلب واستلام الشهادات والنسخ من الوثائق العقارية، إيداع وتتبع الملفات التقنية الطبوغرافية، إعداد وحفظ تصاميم المسح، تحصيل الرسوم، والتبادل الإلكتروني للبيانات مع الإدارات والمهنيين.32 وقد أحدثت الوكالة منصة إلكترونية خاصة، بالإضافة إلى تطبيق داخلي "BACK OFFICE" لتتبع الطلبات.32 وتُعطى الوثائق والإجراءات المنجزة إلكترونياً نفس القيمة القانونية لتلك المنجزة ورقياً.32 كما تم تخصيص فضاء خاص للمهنيين (محامون، موثقون، عدول، مهندسون مساحون) لتبادل الوثائق والمعلومات إلكترونياً.32

على الرغم من هذه الإنجازات، يواجه تطبيق نظام الرقمنة تحديات كبيرة:

  • وعي المواطنين: لا يزال وعي المواطنين ومعرفتهم بالوسائل التكنولوجية محدوداً، مما يجعل الاستفادة من الخدمات الإلكترونية مقتصرة على فئات محدودة، غالباً ما تكون من المهنيين.32

  • ثقافة العمل الإداري: لا يزال موظفو المحافظة العقارية يُفضلون التعامل مع الملفات الورقية، مما يؤدي إلى تأخر معالجة الملفات الرقمية بسبب طلبات متكررة وغير مبررة عبر النظام الإلكتروني، وهو ما يُعيق تحقيق الهدف المنشود من الرقمنة.32

  • التأخر في التفعيل الكامل: بعد سنوات من صدور النص التنظيمي المتعلق بالتدبير الإلكتروني، لم يتم تفعيل سوى جزء يسير من مقتضياته.32

إن هذه التحديات تُبرز أن التحديث القانوني والتقني وحده لا يكفي لتحقيق الأهداف المرجوة. فالرقمنة، على الرغم من إمكاناتها الهائلة في تبسيط الإجراءات وزيادة الشفافية، تُشكل سيفاً ذا حدين. فإذا لم تكن مصحوبة بجهود مكثفة في التوعية العامة، وتدريب الموظفين، وتغيير الثقافة الإدارية نحو تبني كامل للأنظمة الرقمية، فإنها قد تُنشئ حواجز جديدة وتُفاقم من أوجه القصور القائمة بدلاً من حلها. هذا يُشير إلى أن نجاح أهداف القانون 14.07 يعتمد ليس فقط على نصوصه، بل على المنظومة الشاملة لتطبيقه، بما في ذلك العوامل البشرية والمشاركة المجتمعية.

الفصل الخامس: التحديات والآفاق المستقبلية

على الرغم من الإصلاحات الهامة التي جاء بها القانون 14.07، لا يزال نظام التحفيظ العقاري في المغرب يواجه تحديات وإشكالات عملية تتطلب المزيد من العمل التشريعي والقضائي والإداري.

أبرز الإشكالات والتحديات التي يواجهها تطبيق القانون 14.07

  1. تأخر البت في الملفات: على الرغم من أهداف تسريع الإجراءات، لا تزال هناك تأخيرات ملحوظة في معالجة مطالب التحفيظ والبت في التعرضات، سواء على مستوى المحافظات العقارية أو أمام المحاكم.13

  2. إشكالات التحديد: تُشكل عمليات التحديد الميداني للعقارات تحدياً، خاصة في ظل تضارب الحدود ونقص الوثائق الدقيقة، مما يُعيق استكمال مسطرة التحفيظ.5

  3. التعسف في استعمال الحقوق: لا تزال ظاهرة التعرضات والتقييدات الاحتياطية الكيدية أو التعسفية قائمة، مما يُؤثر سلباً على الأمن العقاري ويُعيق حركة الاستثمار.8

  4. الخلافات القضائية والإدارية: يُلاحظ تضارب في الاجتهادات القضائية بين المحاكم الإدارية والعادية بخصوص بعض القضايا العقارية، بالإضافة إلى تباين في قرارات المحافظين العقاريين، مما يُفقد النظام بعضاً من تماسكه ويُعيق توحيد الممارسة.8

  5. التحصين القانوني لبعض قرارات المحافظ: يُعد مقتضى الفصل 29 الذي يُحصّن قرار المحافظ برفض التعرض الاستثنائي من الطعن القضائي إشكالاً دستورياً وعملياً كبيراً، حيث يتعارض مع مبدأ دستوري أصيل يُؤكد على حق التقاضي والرقابة القضائية على جميع القرارات الإدارية.8

  6. نقص الوعي القانوني: لا يزال هناك نقص في وعي المواطنين بالقوانين والإجراءات المتعلقة بالتحفيظ العقاري، خاصة في المناطق القروية، مما يُعيق استفادتهم الكاملة من النظام ويُعرضهم للمشاكل.32

  7. تحديات الرقمنة: على الرغم من جهود الرقمنة، لا تزال هناك تحديات تتعلق بعدم الاستفادة الكاملة من التدبير الإلكتروني بسبب نقص الوعي لدى العموم، وتفضيل الموظفين للعمل الورقي، وتأخر المعالجة الإلكترونية لبعض الملفات.32

  8. تكاليف التحفيظ: تُثار انتقادات حول تكاليف التحفيظ، خاصة في الملك المشترك، حيث قد يُطالب المشتركون بدفع الرسوم مرتين.34

  9. تأثير المذكرات الإدارية: أثرت بعض المذكرات الإدارية على حق المواطنين في التحفيظ، مما أثار جدلاً حول مدى مشروعيتها وتأثيرها على مبدأ المساواة.36

مقترحات وتوصيات لتطوير نظام التحفيظ العقاري في المغرب

لمواجهة التحديات المذكورة، يُمكن تقديم مجموعة من المقترحات والتوصيات:

  1. على المستوى التشريعي:

    • منح القضاء صلاحيات أوسع: يجب منح القضاء صلاحيات أوسع في مجال التعرضات، بما في ذلك إمكانية الفصل بين المتعرضين، لضمان حل شامل للنزاعات.8

    • إعادة صياغة الفصل 32: يُقترح إعادة صياغة الفصل 32 من ظهير التحفيظ العقاري لإلزام المحافظ بإنذار المتعرض لتقديم الوثائق قبل إلغاء تعرضه، وذلك لحماية حقوق المتعرضين.8

    • رفع الحصانة عن قرارات المحافظ: يجب تعديل الفصل 29 لرفع الحصانة عن قرار المحافظ برفض التعرض الاستثنائي، ليتوافق مع المقتضيات الدستورية ويُخضع جميع القرارات الإدارية للرقابة القضائية.8

    • تعديل قانون التحفيظ الجماعي: ضرورة تعديل قانون التحفيظ الجماعي ليتوافق مع القانون 14.07 وتبسيط إجراءاته، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المناطق القروية.8

    • تبسيط مسطرة تحفيظ الملك المشترك: مراجعة رسوم وإجراءات تحفيظ الملك المشترك لتجنب الازدواجية في الدفع.34

    • تعديل المادة 613 من مدونة الحقوق العينية: تفعيل مقترح القانون الذي يربط أجل التقييد الاحتياطي لدعوى القسمة بصدور الحكم النهائي، لضمان استقرار الحقوق.19

  2. على المستوى القضائي:

    • تفعيل الفصل 48: يجب على القضاء تفعيل الفصل 48 المتعلق بفرض الغرامة على التعرضات الكيدية بشكل أكثر حزماً، لردع المتلاعبين وحماية الأمن العقاري.8

    • توحيد الاجتهاد القضائي: ضرورة العمل على توحيد الاجتهاد القضائي لمعالجة الإشكالات وتضارب الأحكام، لضمان العدالة واليقين القانوني.8

    • إحداث محاكم عقارية متخصصة: يُعد التفكير في إحداث محاكم عقارية متخصصة أمراً ضرورياً لضمان تطبيق فعال وموحد لأحكام التحفيظ العقاري، وتجاوز تشتت الاختصاصات.8

  3. على المستوى الإداري والرقمنة:

    • تكثيف حملات التوعية: يجب على الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (ANCFCC) تكثيف حملات التوعية للمواطنين حول الخدمات الإلكترونية ومزايا التحفيظ.32

    • تدريب الموظفين: تدريب موظفي المحافظة وتحفيزهم على تبني الأنظمة الرقمية بشكل كامل، وتبسيط الإجراءات الإلكترونية لتجنب الطلبات المتكررة وغير المبررة.32

    • تعزيز الشفافية والمساءلة: مراجعة المذكرات الإدارية التي تتعارض مع حق المواطنين في التحفيظ، والعمل على ضمان المساواة في تطبيق القانون على الجميع.36

جدول 4: أبرز الإشكالات العملية وتوصيات الحل

الإشكال العملي

التأثير على نظام التحفيظ

التوصية المقترحة

1. تحصين قرار رفض التعرض الاستثنائي

يتعارض مع الدستور، يُقوّض حق التقاضي، ويُضعف الرقابة القضائية على المحافظ.13

تعديل الفصل 29 لرفع الحصانة عن قرار المحافظ، وجعله قابلاً للطعن الإداري.8

2. التعسف في استعمال حق التعرض والتقييد الاحتياطي

يُطيل أمد المسطرة، يُعيق الاستثمار، ويُزعزع الأمن العقاري.8

تفعيل الفصل 48 من القانون 14.07 بفرض الغرامات على التعرضات والتقييدات الكيدية.8

3. عدم إلزام المحافظ بإنذار المتعرض لتقديم الوثائق

قد يُضر بمصالح المتعرضين غير المطلعين ويُؤدي إلى إلغاء تعرضات جدية.8

إعادة صياغة الفصل 32 لإلزام المحافظ بإنذار المتعرض قبل إلغاء تعرضه لعدم تقديم الوثائق.8

4. تشتت الاختصاص القضائي وغياب المحاكم المتخصصة

يُؤدي إلى تضارب الاجتهادات، إطالة أمد التقاضي، وصعوبة الوصول إلى العدالة.8

التفكير في إحداث محاكم عقارية متخصصة لتوحيد الممارسة القضائية.8

5. تحديات الرقمنة (وعي المواطنين، ثقافة الموظفين)

لا يتم الاستفادة الكاملة من التدبير الإلكتروني، وتُضاف تعقيدات جديدة للمسار.32

تكثيف حملات التوعية والتدريب، وتغيير الثقافة الإدارية نحو تبني كامل للأنظمة الرقمية.32

6. آجال التقييد الاحتياطي لدعوى القسمة

عدم وضوح الأجل يُسبب إشكالات عملية وتأخيرات في البت في الدعاوى.19

تعديل المادة 613 من مدونة الحقوق العينية لربط أجل التقييد الاحتياطي لدعوى القسمة بصدور الحكم النهائي.19



خاتمة

لقد شكّل القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري في المغرب خطوة إصلاحية هامة، حيث سعى إلى تحديث الإطار القانوني ليتلاءم مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها المملكة. وقد جاء بمستجدات إيجابية عديدة، أبرزها تعميم التحفيظ، تبسيط الإجراءات، تقوية الضمانات، وتوسيع نطاق التقييد الاحتياطي ليشمل حالات جديدة، بالإضافة إلى فتح الباب أمام رقمنة الخدمات العقارية.

ومع ذلك، فإن التطبيق العملي لهذا القانون قد أفرز عدداً من التحديات والإشكالات التي تتطلب المزيد من المعالجة. فالتوتر بين هدف تسريع الإجراءات وحماية الحقوق الفردية لا يزال قائماً، كما يتضح في مسألة التعرضات الاستثنائية وغموض بعض النصوص. إن عدم تفعيل بعض المقتضيات الزجرية، مثل الغرامات على التعرضات الكيدية، يُضعف من الأثر الردعي للقانون. كما أن التحديات المرتبطة بالرقمنة، من حيث وعي المواطنين وثقافة العمل الإداري، تُعيق تحقيق الأهداف الكاملة للتحول الرقمي.

إن تحقيق الأمن العقاري المنشود، وضمان استقرار المعاملات، وتشجيع الاستثمار، يتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين: المشرع من خلال مراجعة النصوص القانونية لمعالجة الثغرات والتناقضات، والقضاء من خلال توحيد الاجتهاد وتفعيل النصوص الردعية والتفكير في إحداث محاكم متخصصة، والإدارة من خلال تعزيز الشفافية وتحديث آليات العمل وتدريب الموظفين، والمجتمع المدني من خلال رفع الوعي القانوني. إن التوازن بين تبسيط الإجراءات وتقوية الضمانات يبقى هو المفتاح لضمان فعالية نظام التحفيظ العقاري في المغرب، بما يخدم المصلحة العامة ويُعزز الثقة في الملكية العقارية.

تعليقات