22C326499282C735955F01BCA5C46E3A تحليل شامل لعقد الكراء في القانون المغربي: دراسة مقارنة بين قانون الالتزامات والعقود والقانون 67.12

القائمة الرئيسية

الصفحات

تحليل شامل لعقد الكراء في القانون المغربي: دراسة مقارنة بين قانون الالتزامات والعقود والقانون 67.12

 

تحليل شامل لعقد الكراء في القانون المغربي: دراسة مقارنة بين قانون الالتزامات والعقود والقانون 67.12

المقدمة

يُعد عقد الكراء (الإيجار) من العقود الأساسية التي تنظم جانباً واسعاً من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، سواء تعلق الأمر بتوفير السكن للأفراد أو المحلات للأنشطة المهنية والتجارية. يُسهم هذا العقد بشكل مباشر في تحقيق الاستقرار الاجتماعي من خلال توفير الإطار القانوني للسكن، وفي دعم التنمية الاقتصادية بتأمين الفضاءات اللازمة للممارسة المهنية والتجارية.

يُشكل قانون الالتزامات والعقود (DOC)، الصادر بظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913)، الشريعة العامة المنظمة للعقود في المغرب، ومن ضمنها عقد الكراء، حيث يتناوله في القسم الثالث من الكتاب الثاني.1 هذا القانون هو الأساس الذي تُبنى عليه القواعد العامة للعقود في المنظومة القانونية المغربية.3 إلى جانب قانون الالتزامات والعقود، توجد قوانين خاصة تُنظم أنواعاً محددة من الكراء بتفصيل أكبر، أبرزها القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني. هذا القانون، الصادر لتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.13.111 بتاريخ 15 محرم 1435 (19 نوفمبر 2013)، دخل حيز التنفيذ بتاريخ 28 نوفمبر 2013.5 وقد جاء هذا القانون لسن مقتضيات مبسطة وواضحة وخالية من كل تعقيد تضمن مصالح الطرفين، مع نسخ بعض القوانين التي أصبحت مقتضياتها متجاوزة وتحيين البعض الآخر من أجل ملائمته مع متطلبات الواقع السوسيو-اقتصادي للبلاد.9

يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل قانوني شامل وموثوق لعقد الكراء في القانون المغربي، مع إبراز التفاعل بين الأحكام العامة في قانون الالتزامات والعقود والأحكام الخاصة التي جاء بها القانون 67.12. سترتكز المنهجية على استعراض التعريف القانوني لعقد الكراء، وتحديد أركانه وشروطه، وتفصيل التزامات وحقوق كل من المكري والمكتري، بالإضافة إلى بيان طرق انتهاء العقد وإجراءات تسوية النزاعات، مع تسليط الضوء على أبرز التطورات التشريعية والآثار المترتبة عنها.

الفصل الأول: الإطار المفاهيمي لعقد الكراء

تعريف عقد الكراء

يُعرف الفصل 627 من قانون الالتزامات والعقود عقد الكراء بأنه: "عقد، بمقتضاه يمنح أحد طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار، خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة، يلتزم الطرف الآخر بدفعها له".1 هذا التعريف يُعد الأساس الذي تُبنى عليه جميع الأحكام التفصيلية المتعلقة بالكراء في التشريع المغربي. إن فهم هذه العناصر الأساسية من التعريف يُعد حجر الزاوية لفهم جميع الخصائص والأحكام اللاحقة، كالتزامات الأطراف وأسباب الانتهاء. على سبيل المثال، بما أن العقد ينقل المنفعة وليس الملكية، فإن التزامات المكري والمكتري تختلف جذرياً عن التزامات البائع والمشتري. وبما أنه عقد زمني، فإن المدة والأجرة الدورية تصبحان من أهم عناصره. لذا، فإن هذا التعريف وتفصيله في بداية التقرير يُعد ضرورياً لتأسيس فهم قانوني دقيق وشامل للموضوع، ويوفر الإطار المرجعي لكل ما سيأتي من تفاصيل.

الخصائص المميزة لعقد الكراء

يتميز عقد الكراء بعدة خصائص جوهرية تميزه عن غيره من العقود، وتُحدد طبيعته القانونية:

  • عقد رضائي: ينعقد عقد الكراء بمجرد تراضي الطرفين (المكري والمكتري) على عناصره الأساسية، وهي المنفعة والأجرة والمدة، وعلى باقي الشروط الجوهرية التي يعتبرانها أساسية.12 الفصل 19 من قانون الالتزامات والعقود ينص على أن الاتفاق لا يتم إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام وعلى باقي الشروط المشروعة الأخرى التي يعتبرانها أساسية.13 هذا يعني أن العقد لا يتطلب شكلاً معيناً لصحته وفقاً للقواعد العامة.

  • عقد ملزم للجانبين (تبادلي): يولد عقد الكراء التزامات متقابلة على عاتق كل من الطرفين. فالمكري يلتزم بتمكين المكتري من الانتفاع بالعين، بينما يلتزم المكتري بدفع الأجرة مقابل هذا الانتفاع.11 هذا التبادل في الالتزامات هو ما يجعله عقداً تبادلياً.

  • عقد معاوضة: يحصل كل طرف في عقد الكراء على مقابل لما يقدمه للطرف الآخر. فالمكري يقدم منفعة العين، والمكتري يقدم الأجرة المتفق عليها.11 هذا يميزه بشكل واضح عن عقود التبرع كعارية الاستعمال، حيث يستفيد طرف واحد (المستعير) دون مقابل.11

  • عقد مؤقت (زمني): يتميز عقد الكراء بكونه عقداً زمنياً بطبيعته، حيث يكون لمدة معينة يتم الاتفاق عليها، ويُعد الزمن عنصراً جوهرياً في تحديد الأجرة.11 هذا التحديد الزمني هو ما يميزه عن عقود أخرى مثل البيع التي تنقل الملكية بشكل دائم.

  • يرد على الانتفاع بالشيء: لا ينقل عقد الكراء ملكية الشيء المكترى، بل ينقل فقط حق الانتفاع به للمكتري خلال المدة المتفق عليها.11 هذا يعني أن المكتري لا يصبح مالكاً للعين، بل مستفيداً من استخدامها.

تجدر الإشارة إلى أن القانون رقم 67.12، وهو قانون خاص ينظم الكراء السكني والمهني، نص صراحة في مادته الثالثة على أنه "يبرم عقد الكراء وجوبا بمحرر كتابي ثابت التاريخ".2 هذا التباين الظاهري ليس تناقضاً، بل يعكس توجهاً تشريعياً نحو تعزيز الأمن القانوني والشفافية في قطاع الكراء، الذي يشهد نزاعات كثيرة. فالكتابة في القانون 67.12 ليست شرطاً لانعقاد العقد، بل هي شرط لوجوبه بمعنى إثباته والاستفادة من المقتضيات الحمائية والإجراءات القضائية المبسطة التي جاء بها هذا القانون. فالمكري الذي لا يملك عقداً مكتوباً يواجه صعوبات في سلوك مسطرة استيفاء الواجبة الكرائية.9 من خلال إلزامية الكتابة، يهدف المشرع إلى توثيق العلاقة التعاقدية بشكل دقيق، مما يسهل إثبات الحقوق والالتزامات لكل طرف، ويُمكن من تطبيق الإجراءات القضائية الخاصة التي تهدف إلى تسريع حل النزاعات وحماية مصالح الطرفين بشكل أكثر فعالية، مما يؤدي إلى استقرار أكبر في العلاقات الكرائية.

التمييز بين عقد الكراء والعقود المشابهة

يُعد التمييز بين عقد الكراء والعقود الأخرى المشابهة أمراً جوهرياً لتحديد النظام القانوني الواجب التطبيق على العلاقة التعاقدية. كل عقد يخضع لنظام قانوني مختلف تماماً من حيث الحقوق والالتزامات والمسؤوليات وآليات فض النزاعات.

  • الكراء والبيع: يكمن الاختلاف الجوهري في أن البيع ينقل ملكية الشيء المبيع من البائع إلى المشتري، بينما الكراء ينقل فقط حق الانتفاع بالشيء المكترى دون نقل ملكيته.11 هذا التمييز يؤثر على طبيعة الحقوق والالتزامات المترتبة على كل طرف؛ فالمشتري مثلاً يتحمل مسؤولية صيانة العقار الكبرى، بينما هذه المسؤولية تبقى على عاتق المكري في عقد الكراء.

  • الكراء وعارية الاستعمال: عارية الاستعمال (أو الإعارة) هي عقد تبرع، حيث يسمح المعير للمستعير باستعمال شيء مملوك للغير دون دفع أي مقابل، مع التزام المستعير برد الشيء.11 أما الكراء، فهو عقد معاوضة يتطلب دفع أجرة مقابل الانتفاع.11 هذا الاختلاف في طبيعة المقابل يؤثر على طبيعة الالتزامات، ففي العارية يكون المستفيد طرفاً واحداً، بينما في الكراء يستفيد الطرفان.

  • الكراء وعقد المقاولة: عقد المقاولة هو عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين بصنع شيء أو أداء عمل لقاء أجر.11 فالالتزام هنا يقع على "عمل" المقاول. أما الكراء، فيقع على "الانتفاع بالشيء".11 قد يختلط الأمر في بعض الحالات، مثل حجز المقاعد في الملاعب أو المسارح أو السينما، فالحجز هنا ليس للانتفاع بالكرسي بحد ذاته، وإنما لمشاهدة العرض الرياضي أو المسرحي أو السينمائي، مما يجعله أقرب إلى عقد المقاولة أو الخدمة منه إلى الكراء الخالص.11 التمييز الدقيق بين هذه العقود ليس مجرد تمرين أكاديمي، بل هو ضرورة عملية حاسمة للمحترفين القانونيين. يُمكّن هذا التمييز من التكييف القانوني الصحيح للعلاقة التعاقدية، وبالتالي تطبيق الأحكام القانونية الصحيحة، وصياغة العقود بشكل سليم، وتقديم الاستشارات القانونية الدقيقة، وحل النزاعات بكفاءة. هذا يضمن العدالة التعاقدية ويحمي مصالح الأطراف من التداعيات السلبية للتكييف الخاطئ.

الفصل الثاني: أركان وشروط صحة عقد الكراء

تُعد أركان وشروط صحة عقد الكراء من الأساسيات التي لا يقوم العقد بدونها، وتتوزع بين الأركان العامة المشتركة مع سائر العقود، والشروط الخاصة التي أتى بها القانون 67.12 لخصوصية العلاقات الكرائية.

الأركان العامة للعقد (وفق قانون الالتزامات والعقود)

تُعد هذه الأركان أساسية لصحة أي التزام ينشأ عن التعبير عن الإرادة، بما في ذلك عقد الكراء.12 أي خلل في أحد هذه الأركان يؤدي إلى بطلان العقد أو قابليته للإبطال. هذه الأركان العامة المستمدة من قانون الالتزامات والعقود تُشكل الفلتر الأساسي الذي يضمن الشرعية الجوهرية لعقد الكراء. فمهما كانت الأحكام الخاصة التي ينص عليها القانون 67.12، فإن العقد لا يمكن أن يكون صحيحاً ومنتجاً لآثاره القانونية إذا لم يستوفِ هذه الأركان الأساسية. هذا يُبرز الدور المحوري للشريعة العامة في ضبط العقود الخاصة، ويُشدد على أن فهم هذه الأركان ضروري لضمان سلامة العقد وتجنب النزاعات المستقبلية التي قد تنشأ عن عيوب في تكوينه.

  • الرضا (التراضي): يجب أن يتوافر رضا صحيح خالٍ من عيوب الإرادة (الغلط، التدليس، الإكراه، الغبن) بين المكري والمكتري.12 الفصل 19 من قانون الالتزامات والعقود ينص على أن الاتفاق لا يتم إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام وعلى باقي الشروط المشروعة الأخرى التي يعتبرانها أساسية.13 هذا يعني أن مجرد توافق الإرادتين على جوهر العقد وشروطه الجوهرية كافٍ لانعقاده، ما لم ينص القانون على شكلية معينة.

  • الأهلية: يجب أن يتمتع كل من طرفي العقد (المكري والمكتري) بالأهلية القانونية اللازمة لإبرام التصرفات القانونية.12 هذا يعني أن يكونا بالغين سن الرشد القانوني وغير محجور عليهما، أو أن يتم تمثيلهما قانونياً إذا كانا قاصرين أو ناقصي الأهلية.13

  • المحل:

    • الشيء المكترى: يجب أن يكون الشيء المكترى موجوداً أو قابلاً للوجود في المستقبل، ومعيناً أو قابلاً للتعيين، وأن يكون قابلاً للتعامل فيه.12 من الضروري ألا يكون الشيء مما يهلك بالاستهلاك بطبيعته، نظراً لالتزام المكتري برده عند انتهاء العقد.12 الفصل 60 من قانون الالتزامات والعقود يبطل الالتزام إذا كان محله شيئاً مستحيلاً بطبيعته أو بحكم القانون.13 الفصل 61 يضيف أنه يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً أو غير محقق، باستثناء التصرف في تركة إنسان على قيد الحياة، حيث يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً.13

    • الأجرة: يجب أن تكون الأجرة محددة أو قابلة للتحديد، ويمكن أن تكون نقداً أو أي مقابل آخر متفق عليه.1

  • السبب: يجب أن يكون للالتزام سبب مشروع، أي غير مخالف للقانون أو النظام العام أو الأخلاق الحميدة.12 يُفترض أن كل التزام له سبب حقيقي ومشروع حتى لو لم يُذكر.13

الشروط الخاصة في القانون 67.12 للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني

جاء القانون 67.12 ليُضيف شروطاً شكلية وإجرائية خاصة لعقود كراء المحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني، بهدف تنظيم العلاقة التعاقدية بشكل أكثر دقة وحماية لمصالح الطرفين.

  • شرط الكتابة: ألزم القانون 67.12 برم عقد الكراء "وجوباً بمحرر كتابي ثابت التاريخ".2 هذا الشرط لم يكن موجوداً بنفس الإلزام في ظهير الالتزامات والعقود.2 يجب أن يتضمن العقد المكتوب حداً أدنى من البيانات كاسم المكري والمكتري، وصف المحل، الأجرة، وغيرها من المعلومات الأساسية.9 هذا الشرط يُشكل آلية وقائية فعالة تُسهم في تقليل المنازعات القضائية. فمن خلال توثيق حالة المحل بشكل دقيق، يتم تحديد نقطة مرجعية واضحة لتقييم أي أضرار قد تلحق به أثناء فترة الكراء. هذا يُعزز مبدأ الإثبات ويُقلل من الحاجة إلى الخبرة القضائية في تقدير الأضرار، مما يُسرع من عملية حل النزاعات ويُضفي شفافية أكبر على العلاقة بين المكري والمكتري. إنه تحول من نظام يعتمد على الافتراضات إلى نظام يعتمد على التوثيق الدقيق.

  • البيان الوصفي لحالة المحل: ألزم القانون 67.12 الطرفين بإعداد بيان وصفي دقيق لحالة المحل المكترى عند التسليم وعند الإرجاع، ويجب أن يُرفق هذا البيان بالعقد.9 ويجب أن يكون مفصلاً ودقيقاً، متجنباً الصيغ العامة مثل "حالة جيدة" أو "حالة متوسطة".9 وفي حال عدم إعداد هذا البيان، يُفترض قانوناً أن المكتري تسلم المحل في حالة صالحة للاستعمال.9 هذا الشرط يهدف بشكل مباشر إلى معالجة أحد أكثر أسباب النزاعات شيوعاً في عقود الكراء: الخلاف حول حالة العقار عند بداية ونهاية العلاقة التعاقدية.

  • تحديد الوجيبة الكرائية (الأجرة): يتم تحديد شروط ووجيبة الكراء بتراضي الأطراف، وفقاً للمادة 2 من القانون 67.12.2 ومع ذلك، وضع القانون قيوداً على مراجعة الأجرة:

    • مراجعة الوجيبة الكرائية: لا يجوز الاتفاق على زيادة الكراء خلال مدة تقل عن ثلاث سنوات من تاريخ إبرام العقد أو من تاريخ آخر مراجعة قضائية أو اتفاقية.2 تُحدد نسبة الزيادة بـ 8% للمحلات السكنية و 10% للمحلات المهنية.9 إذا لم يتفق الطرفان على المراجعة، يمكن مراجعتها قضائياً بعد مرور ثلاث سنوات على الأقل.9 يمكن للمحكمة تحديد نسبة الزيادة بحد أقصى 50% إذا كانت الأجرة لا تتجاوز 400 درهم شهرياً.9 تبدأ سريان الأجرة الجديدة من تاريخ المطالبة القضائية، أو من تاريخ التوصل بالإنذار إذا رفعت الدعوى خلال ثلاثة أشهر من التوصل.6 هذه القيود على مراجعة الأجرة تهدف إلى توفير الاستقرار والقدرة على التنبؤ في سوق الكراء، مما يُفيد كلا الطرفين. فهي تمنح المكري إطاراً واضحاً لتوقعاته المالية، وتحمي المكتري من التقلبات المفاجئة التي قد تُهدد استقراره السكني أو المهني. هذا التوازن يُعزز الثقة في العلاقة التعاقدية ويُقلل من النزاعات المتعلقة بقيمة الأجرة، مما يُسهم في استقرار السوق العقاري بشكل عام.

الفصل الثالث: التزامات وحقوق الأطراف في عقد الكراء

يفرض عقد الكراء، بصفته عقداً تبادلياً، مجموعة من الالتزامات المتقابلة على عاتق كل من المكري (المؤجر) والمكتري (المستأجر)، ويمنح كل طرف حقوقاً مقابلة لهذه الالتزامات. هذه الالتزامات والحقوق تُفصلها أحكام قانون الالتزامات والعقود والقانون 67.12.

التزامات المكري (المؤجر)

يقع على عاتق المكري عدة التزامات أساسية لضمان تمكين المكتري من الانتفاع بالعين المكتراة:

  • التزام التسليم: يجب على المكري تسليم العين المكتراة وملحقاتها والمعدات المذكورة في العقد.9 ويُشدد القانون 67.12 على أن المحلات السكنية يجب أن تكون مستوفية للمواصفات الضرورية المتعلقة بمكوناتها، التهوية، المطبخ، المراحيض، الكهرباء، والماء.9 مصاريف التسليم تقع على المكري ما لم يجر العرف أو يقض الاتفاق بخلاف ذلك.15 هذا التفصيل التشريعي في القانون 67.12 يعكس توجهاً حمائياً واجتماعياً للمشرع. فهو لا ينظر إلى عقد الكراء كمعاملة تجارية بحتة، بل يُقرّ بالحق في سكن لائق. هذا الالتزام بضمان مواصفات معينة يُعزز من حقوق المكتري ويُقلل من النزاعات المتعلقة بصلاحية العين للسكن، ويُمكن المكتري من المطالبة بالتعويض أو الفسخ إذا لم تُستوفَ هذه الشروط، مما يُسهم في تحسين جودة السكن ويُعزز الاستقرار الاجتماعي.

  • التزام الضمان:

    • ضمان الانتفاع الهادئ: يلتزم المكري بضمان تمكين المكتري من الانتفاع الكامل والهادئ بالعين المكتراة، وحمايته من أي تعرض قانوني أو مادي من الغير.9 هذا الالتزام يضمن عدم وجود أي عائق يحول دون استغلال المكتري للعين.

    • ضمان العيوب الخفية: يضمن المكري جميع عيوب الشيء المكترى التي تنقص من قيمته نقصاً محسوساً، أو تجعله غير صالح للاستعمال الذي أعد له، حتى لو لم يكن يعلم بوجودها وقت العقد، ما لم يصرح بها للمكتري أو يشترط عدم الضمان.13 هذا الضمان يُعد حماية جوهرية للمكتري من العيوب التي قد لا يكتشفها عند التعاقد.

  • التزام الصيانة والإصلاحات: يجب على المكري صيانة المحل بشكل يسمح باستعماله وفقاً لما هو منصوص عليه في العقد، والقيام بجميع الإصلاحات الضرورية للحفظ والصيانة.9 إذا لم يقم المكري بالإصلاحات المطلوبة بعد إشعاره قانونياً، يحق للمكتري الحصول على إذن من رئيس المحكمة للقيام بها وخصم تكلفتها من الأجرة.9 هذا الالتزام يضمن استمرارية صلاحية العين للانتفاع بها.

  • التزام تسليم وصل الأداء: يجب على المكري أن يُسلم المكتري وصلاً موقعاً، شخصياً أو بواسطة وكيله، يُفصل فيه المبالغ المدفوعة من المكتري، مع التمييز بين الأجرة والتكاليف التابعة لها.9 هذا الالتزام يعزز الشفافية ويُسهل إثبات الأداء.

التزامات المكتري (المستأجر)

في المقابل، يقع على عاتق المكتري مجموعة من الالتزامات التي تضمن حقوق المكري والمحافظة على العين المكتراة:

  • التزام أداء الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها: يُعد هذا الالتزام جوهرياً، حيث يجب على المكتري دفع الأجرة في الأجل المحدد في العقد، بالإضافة إلى جميع التكاليف الكرائية التي يتحملها بموجب العقد أو القانون.9 يتحمل المكتري مصاريف الأداء.13 يُطبق مبدأ "الكراء مطلوب لا محمول"، والذي يعني أن المكري هو من يجب عليه طلب الأجرة من المكتري في مكان وجود العين المكتراة، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.16 هذا المبدأ يُشكل حماية إضافية للمكتري، حيث يضع عبء إثبات المطالبة بالأجرة على عاتق المكري قبل أن يتمكن من ادعاء تماطل المكتري. فالمكتري لا يُعتبر متماطلاً بمجرد حلول الأجل، بل يجب أن يكون قد أُنذر أو طُلب منه الأداء بشكل قانوني. هذا يُقلل من النزاعات الناشئة عن عدم وضوح مكان أو طريقة الأداء، ويُعزز من حقوق المكتري في مواجهة طلبات الإفراغ بسبب عدم الأداء، مما يُسهم في استقرار العلاقة الكرائية.

  • التزام المحافظة على العين المكتراة واستعمالها وفق الغرض المخصص: يجب على المكتري المحافظة على المحل المكترى واستعماله وفقاً للغرض المخصص له في العقد أو لطبيعته.9 ويسأل المكتري عن أي خسارة أو عيب يلحق المحل بسبب فعله أو خطئه.9 الفصل 635 من قانون الالتزامات والعقود يمنح المكري الحق في طلب فسخ العقد والتعويض إذا استعمل المكتري العين في غير ما خصصت له.13

  • التزام عدم إحداث تغييرات دون إذن: لا يحق للمكتري إجراء أي تغييرات في العين المكتراة أو تجهيزاتها دون الحصول على موافقة كتابية صريحة من المكري.9 وفي حال المخالفة، يحق للمكري طلب إعادة الحال إلى ما كان عليه على نفقة المكتري.

  • التزام رد العين المكتراة عند انتهاء العقد: عند انتهاء أو فسخ عقد الكراء، يلتزم المكتري بإعادة المحل المكترى إلى المكري بالحالة التي تسلمها عليها، مع مراعاة الاستهلاك الناتج عن الاستعمال العادي والطبيعي. إذا احتفظ المكتري بالمحل بعد هذا التاريخ، يلتزم بدفع تعويض تحدده المحكمة لا يقل عن ضعف واجب الكراء، ويتحمل مسؤولية إصلاح أي ضرر لاحق.9

  • التزام الإخطار بالوقائع التي تتطلب تدخل المكري: يجب على المكتري، تحت طائلة التعويض، إخطار المكري بأسرع وقت ممكن بأي وقائع تتطلب تدخله، مثل الحاجة إلى إصلاحات عاجلة، أو اكتشاف عيوب غير متوقعة، أو حدوث غصب، أو ادعاء ملكية من الغير.9

التوازن في توزيع مسؤوليات الصيانة بين المكري والمكتري

يُظهر القانون المغربي توازناً في توزيع مسؤوليات الصيانة بين المكري والمكتري. يُلزم القانون 67.12 (المادة 10) المكري بالصيانة الضرورية للحفظ والاستعمال.9 وفي المقابل، تُشير المادة 19 من نفس القانون 9 والفصل 639 من قانون الالتزامات والعقود 15 إلى أن المكتري مُلزم بالإصلاحات البسيطة أو "صيانة الكراء" الناتجة عن الاستعمال العادي. هذا التوزيع للمسؤوليات يعكس طبيعة العلاقة التعاقدية: المكري، كمالك، مسؤول عن البنية الأساسية والعناصر الجوهرية التي تضمن صلاحية العين للاستعمال على المدى الطويل. أما المكتري، كمُنتفع، فهو مسؤول عن الصيانة اليومية التي تُحافظ على العين في حالة جيدة خلال فترة انتفاعه. هذا التوزيع للمسؤوليات يُحقق توازناً اقتصادياً وقانونياً. فهو يمنع إرهاق المكري بتكاليف الإصلاحات البسيطة التي تنتج عن الاستعمال اليومي، ويُحفز المكتري على العناية بالعين المكتراة التي ينتفع بها. هذا التمييز الواضح يُقلل من النزاعات حول من يتحمل تكلفة الإصلاحات، ويُسهم في الحفاظ على قيمة العقار على المدى الطويل، مما يُعزز الاستقرار في العلاقة التعاقدية.

الجدول 1: ملخص التزامات المكري والمكتري الرئيسية

الالتزام

المكري (المؤجر)

المكتري (المستأجر)

السند القانوني (أمثلة)

التسليم

تسليم العين وملحقاتها مطابقة للمواصفات

استلام العين

م. 5 ق. 67.12 9

الصيانة والإصلاحات

الكبرى والضرورية للحفظ

البسيطة والناتجة عن الاستعمال العادي

م. 10، 19 ق. 67.12 9، ف. 639 ق.ل.ع 15

الضمان

ضمان الانتفاع الهادئ والعيوب الخفية

-

م. 9 ق. 67.12 9، ف. 668 ق.ل.ع 13

الأداء

تسليم وصل الأداء

أداء الوجيبة الكرائية والتكاليف في الأجل

م. 11، 12 ق. 67.12 9

المحافظة والاستعمال

-

المحافظة على العين واستعمالها للغرض المخصص

م. 14 ق. 67.12 9، ف. 635 ق.ل.ع 13

رد العين

-

رد العين عند انتهاء العقد

م. 13 ق. 67.12 9

الإخطار

-

إخطار المكري بالوقائع التي تتطلب تدخله

م. 18 ق. 67.12 9

التغييرات

-

عدم إحداث تغييرات دون إذن كتابي

م. 15 ق. 67.12 9

التولية والتخلي

-

عدم التولية أو التخلي إلا بإذن كتابي

م. 39 ق. 67.12 9، ف. 668 ق.ل.ع 5

الفصل الرابع: انتهاء عقد الكراء وتسوية النزاعات

يُعد انتهاء عقد الكراء وتسوية النزاعات الناشئة عنه من الجوانب الحيوية التي يُعنى بها القانون المغربي، بهدف تحقيق العدالة والاستقرار في العلاقات التعاقدية.

طرق انتهاء عقد الكراء

ينتهي عقد الكراء بعدة طرق، بعضها طبيعي وبعضها الآخر يرتبط بإخلال أحد الطرفين بالتزاماته:

  • انتهاء المدة المتفق عليها: الأصل في عقد الكراء أنه عقد مؤقت ينتهي بانتهاء المدة المحددة فيه.11 ومع ذلك، فإن القانون 67.12 يمنح استمرارية للعقد لصالح المكتري حتى لو كان محدد المدة، وذلك إذا لم يقع إشعار بالإفراغ أو لم يتم تصحيحه.5

  • الإشعار بالإفراغ: يُعد الإشعار بالإفراغ الإجراء الأساسي لإنهاء عقد الكراء في القانون 67.12، ويجب أن يستند إلى أسباب جدية ومشروعة. يجب أن يتضمن الإشعار، تحت طائلة البطلان، مجموع المحلات المكراة، وبيان الأسباب المثارة من طرف المكري، والإشارة إلى أجل لا يقل عن شهرين.6 من الأسباب الجدية للإفراغ:

    • استرداد المحل للسكن الشخصي: للمكري أو زوجه أو أصوله أو فروعه المباشرين، أو المستفيدين من الوصية الواجبة، أو المكفول، بشرط أن يكون المكري مالكاً للمحل منذ ثلاث سنوات على الأقل، وألا يكون هو أو من سيشغل المحل يملك سكناً كافياً لحاجياته العادية.6

    • ضرورة هدم المحل وإعادة البناء أو إدخال إصلاحات جوهرية: إذا كانت الإصلاحات ضرورية وتتطلب الإفراغ.6

    • التماطل في الأداء: يُعد عدم أداء المكتري للوجيبة الكرائية سبباً لإنهاء العقد.6

  • فسخ العقد: يمكن للمكري طلب فسخ عقد الكراء مع حفظ حقه في التعويض في حالات معينة، مثل عدم أداء الكراء الذي حل أجل أدائه.18 كما يُفسخ العقد بقوة القانون بوفاة المكتري، مع استثناءات للمستفيدين من استمرارية العقد.9

  • الوفاة أو فقدان الأهلية: يستمر مفعول العقد لصالح المكتري في حالة وفاته بالنسبة للأماكن المعدة للسكنى لفائدة زوج الهالك أو فروعه أو أصوله الذين كانوا تحت كفالته ويعيشون معه فعلياً عند وفاته.5

الإجراءات القانونية لتسوية النزاعات

نظم القانون المغربي إجراءات خاصة لتسوية النزاعات المتعلقة بعقد الكراء، بهدف تسريع البت فيها وتبسيط المساطر:

  • اختصاص المحكمة الابتدائية: تختص المحكمة الابتدائية لموقع الأماكن المكراة بالنظر في القضايا المتعلقة بأكرية الأماكن المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني.5

  • مسطرة استيفاء الوجيبة الكرائية: في حالة عدم أداء الوجيبة الكرائية، يمكن للمكري أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية الإذن بتوجيه إنذار بالأداء للمكتري.6 ويُصدر رئيس المحكمة أمراً بالمصادقة على الإنذار في أجل 48 ساعة من تاريخ تسجيل الطلب.6 هذا الإجراء يهدف إلى تسريع عملية تحصيل الأجرة المتأخرة. إذا ثبت أن المكري توصل بمستحقات الكراء وواصل بسوء نية مسطرة التصديق على الإنذار، يحق للمكتري المطالبة بتعويض عن الضرر.6

  • مسطرة الإفراغ: إذا رفض المكتري إفراغ المحل بعد انتهاء الأجل المحدد في الإشعار بالإفراغ، يمكن للمكري أن يطلب من المحكمة الحكم بالإفراغ.6 الأحكام الصادرة في قضايا الكراء، باستثناء بعض الحالات كالأوامر بالأداء وأحكام الإفراغ للتماطل، لا تكون مشمولة بالنفاذ المعجل.5

  • التعويضات:

    • إذا احتفظ المكتري بالمحل بعد انتهاء العقد، يلتزم بأداء تعويض لا يقل عن ضعف واجب الكراء.9

    • إذا ثبت أن سبب الإفراغ كان غير مطابق للواقع أو لم يُنفذ من طرف المكري، يحق للمكتري المطالبة بتعويض يعادل الضرر الذي لحقه، لا يقل عن واجب كراء سنة.5

    • في حالة التماطل في الأداء، إذا لم يؤد المكتري الأجرة بعد 15 يوماً من تكليفه، يجوز للمكري طلب الإخلاء، لكن لا يُحكم بالإخلاء إذا قام المكتري بالأداء قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى.18

  • دور المحامي: يلعب المحامي دوراً محورياً في قضايا الكراء، حيث يقدم الاستشارات القانونية، ويصيغ العقود ويراجعها لضمان توافقها مع القوانين، ويتفاوض لحل النزاعات ودياً، ويمثل موكله أمام المحاكم.19 في حالات الإخلاء، يقوم المحامي بإجراءات إصدار الإخطارات القانونية ورفع الدعوى وتنفيذ حكم الإخلاء.19

الخلاصة

يُظهر تحليل الإطار القانوني لعقد الكراء في المغرب تعقيداً وتطوراً ملحوظاً، يعكس سعي المشرع إلى تحقيق التوازن بين مصالح المكري والمكتري، وضمان استقرار العلاقات التعاقدية في قطاع حيوي كالإسكان والأنشطة المهنية. لقد شكل قانون الالتزامات والعقود الشريعة العامة التي أرست المبادئ الأساسية لعقد الكراء، من تعريفه إلى أركانه الجوهرية كالتراضي والأهلية والمحل والسبب. هذه الأركان لا تزال تُعد الفلتر الأساسي لشرعية أي عقد كراء، مؤكدةً على أهمية الفهم الدقيق للقواعد العامة لضمان سلامة العقد.

مع ظهور القانون رقم 67.12، شهد تنظيم الكراء للمحلات السكنية والمهنية تحولاً نوعياً نحو مزيد من التخصيص والحماية. فإلزامية الكتابة في هذا القانون، وإن لم تكن شرطاً للانعقاد، إلا أنها أصبحت ضرورية للإثبات والاستفادة من المساطر القضائية المبسطة، مما يُعزز الشفافية ويُقلل من النزاعات. كما أن اشتراط البيان الوصفي لحالة المحل يُعد خطوة استباقية لمعالجة الخلافات حول الأضرار، ويُسهم في تسريع البت في القضايا.

إن القيود المفروضة على مراجعة الأجرة، سواء من حيث المدة أو النسبة المئوية، تُجسد التوازن التشريعي بين حرية التعاقد وضرورة حماية الأطراف، مما يُضفي استقراراً على سوق الكراء. كما أن توزيع مسؤوليات الصيانة بين المكري والمكتري، وتحديد التزامات كل طرف بدقة، يُقلل من الاحتكاكات ويُعزز من مبدأ العناية بالعين المكتراة.

في نهاية المطاف، يُسهم هذا الإطار القانوني المتكامل، بتفاعله بين القواعد العامة والخاصة، في توفير بيئة قانونية أكثر وضوحاً وعدالة لعقود الكراء في المغرب. ومع ذلك، تبقى الحاجة إلى الوعي القانوني لكلا الطرفين، والاستعانة بالخبرة القانونية المتخصصة، أمراً بالغ الأهمية لضمان صياغة العقود بشكل سليم، وتجنب النزاعات، وتسوية ما قد ينشأ منها بكفاءة وفعالية.

تعليقات